مستقبل كندا على المحك: بين الركود والازدهار

🇨🇦 أخبار كندا

تجد كندا نفسها اليوم على مفترق طرق حاسم، ففي حين تتمتع بمقومات دولة عظمى كامنة، يبدو أن هناك شعورًا متزايدًا بالركود أو “الرخاوة” الذي يهدد قدرتها على تحقيق إمكاناتها الكاملة. هذا التحدي ليس مجرد نقاش أكاديمي، بل هو دعوة صريحة للتفكير في المسار الذي ستختاره الأمة في العقود القادمة.

لطالما عُرفت كندا بمواردها الطبيعية الهائلة، وقوتها العاملة المتعلمة، وأنظمتها الديمقراطية المستقرة، وتنوعها الثقافي الذي يُعد مصدر قوة فريدًا. هذه “العظام” التي تشكل هيكل قوة عظيمة، كما يصفها البعض، موجودة بالفعل وتنتظر أن تُبنى عليها إمبراطورية من الازدهار والتأثير العالمي.

ولكن، يبدو أن هذه المقومات قد أدت إلى قدر من الرضا عن الذات. ففي عالم يتسم بالتغيرات المتسارعة والمنافسة الشديدة، قد تكون “الرخاوة” الوطنية، سواء في التفكير الاقتصادي أو الطموح السياسي أو حتى في الروح المجتمعية، هي العائق الأكبر أمام التقدم. هذا الرضا قد يحول دون اتخاذ القرارات الجريئة والمخاطر المحسوبة اللازمة للنمو.

مساران واضحان: التردد أم الانطلاق؟

يضع المقال الأصلي أمامنا خيارين لا ثالث لهما: إما “التردد والانحدار” أو “التوسع والانطلاق”. الخيار الأول يعني الاستمرار في سياسات “الأعمال كالمعتاد”، وتأجيل القرارات الصعبة، والاعتماد على الأمجاد السابقة، مما سيؤدي حتمًا إلى تآكل القوة الاقتصادية والسياسية لكندا على الساحة العالمية، وربما حتى داخليًا.

أما الخيار الثاني، وهو “التوسع والانطلاق”، فيتطلب نظرة استشرافية وجرأة غير مسبوقة. إنه يدعو إلى الاستثمار في الابتكار، وتعزيز التنافسية، وبناء شراكات استراتيجية قوية، وإعادة تشكيل الهوية الكندية لتكون أكثر ديناميكية وتأثيرًا على الصعيد الدولي. هذا المسار يتطلب قيادة واعية وشجاعة من جميع الأطراف.

تحليلي ورأيي الشخصي

من وجهة نظري، فإن هذا النقاش يأتي في وقت بالغ الأهمية. فمع تحولات القوة العالمية، وصعود قوى جديدة، وتزايد التحديات البيئية والاقتصادية، لم يعد بإمكان أي دولة الاكتفاء بالوضع الراهن. كندا، بمكانتها كدولة من مجموعة السبع ودورها التاريخي في حفظ السلام، لديها فرصة فريدة لتشكيل مستقبلها ومستقبل العالم، ولكن ذلك لن يحدث بالتردد.

أعتقد أن الطريق نحو “الانطلاق” يتطلب من كندا تجاوز حالة “الرخاوة” المذكورة. يجب أن تركز على استغلال مواردها البشرية المتميزة، وخاصة الشباب الموهوب، في مجالات التكنولوجيا والبحث العلمي المتقدم. كما يجب عليها إعادة تقييم أولوياتها الاقتصادية لتعزيز الإنتاجية والابتكار، بدلاً من الاعتماد المفرط على قطاعات تقليدية أو ثروات طبيعية قد لا تدوم. كما أن تعزيز موقعها الجيوسياسي يتطلب استراتيجية خارجية أكثر حزماً ووضوحاً.

إن تحقيق هذا التحول يتوقف إلى حد كبير على الإرادة السياسية والشعبية. على القيادات الكندية أن تكون قادرة على رسم رؤية واضحة ومقنعة لمستقبل الأمة، وأن تحشد الدعم الشعبي لهذه الرؤية، حتى لو تضمنت تضحيات أو تغييرات مؤلمة على المدى القصير. كما يجب على المواطنين الكنديين أن يدركوا أن مستقبل بلادهم مسؤوليتهم المشتركة.

التحدي الأكبر يكمن في التغلب على عقلية “لا بأس” والتحول نحو عقلية “يجب أن نكون الأفضل”. هذا يتطلب كسر قيود البيروقراطية، وتبني ثقافة المخاطرة المحسوبة، والاحتفال بالنجاحات، والتعلم من الإخفاقات. كندا لديها كل المقومات لتصبح قوة عظمى حقيقية، لا مجرد قوة كامنة.

في الختام، إن مستقبل كندا ليس قدرًا محتومًا، بل هو نتاج اختياراتها اليوم. فإما أن تختار أن تظل دولة “ناعمة” ترضى بالوضع الراهن، فتفقد بذلك فرصتها التاريخية لتصبح لاعبًا عالميًا رئيسيًا، أو أن تتخذ قرارًا جريئًا بالاستثمار في قوتها، ومواجهة تحدياتها بصلابة، لتنطلق نحو آفاق جديدة من الازدهار والتأثير. الخيار، كما يشير المقال، هو بيدها بالكامل.

المصدر

np comment: تعليق ناشيونال بوست

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *