في عالم مليء بالتغيرات الاقتصادية السريعة والتقلبات السياسية، تبرز بعض الأصوات التي تجبرنا على التوقف والتفكير بعمق. مقال “جولدشتاين” الأخير يلقي الضوء على زاوية فريدة وغير متوقعة لتأثير دونالد ترامب: إجباره الدول على مواجهة وإقرار فشلها الاقتصادي الداخلي بدلاً من إلقاء اللوم على العوامل الخارجية.
لطالما كانت العادة المريحة للعديد من الحكومات والاقتصادات هي البحث عن كبش فداء خارجي عند مواجهة التحديات الاقتصادية. سواء كان ذلك بسبب الأزمات المالية العالمية، أو تقلبات أسعار السلع، أو المنافسة من الأسواق الناشئة، كان من السهل نسب المشكلات إلى قوى خارجة عن السيطرة.
نظرة إلى ما بعد الاتهامات
لكن مع صعود شعار “أمريكا أولاً”، تبدل المشهد. فبسياساته الحمائية وخطابه الصريح، لم يترك ترامب مجالاً كبيراً للدول الأخرى للاختباء خلف حجج التأثيرات الخارجية. لقد أجبرهم، بشكل مباشر أو غير مباشر، على النظر إلى نقاط ضعفهم الهيكلية والداخلية.
تظهر هذه النقطة بوضوح في اقتصادات اعتمدت لفترة طويلة على نماذج معينة، مثل التخصص المفرط في قطاعات محددة، أو الاعتماد على قوى عاملة غير منتجة، أو نقص الابتكار. بدأت هذه المشكلات تتكشف بحدة أكبر عندما تقلصت خيارات التصدير أو تغيرت ديناميكيات التجارة العالمية.
تأثير ترامب على الخطاب الاقتصادي العالمي
إن إغلاق ترامب للأبواب، أو التلويح بإغلاقها، في وجه التجارة العالمية، أجبر الدول على إعادة تقييم سلاسل إمدادها، وأسواقها المحلية، وقدرتها على تحقيق الاكتفاء الذاتي أو على الأقل التنويع. هذا الضغط، وإن كان مزعجاً، عمل كمحفز لإدراك الحقائق الاقتصادية القاسية التي ربما تم تجاهلها لفترة طويلة.
في رأيي الشخصي، هذا التحدي الذي فرضه ترامب، ورغم كونه يأتي من سياق سياسي مثير للجدل، قد يكون له فائدة غير متوقعة. إنه يدفع الدول نحو الشفافية الاقتصادية ويدعوها لتحمل المسؤولية الكاملة عن مساراتها التنموية. الاعتراف بالمشكلة هو الخطوة الأولى نحو الحل، وهذا ما يبدو أن ترامب قد أجبر الكثيرين على القيام به.
مسؤوليتنا في صياغة المستقبل الاقتصادي
بدلاً من إضاعة الوقت في اتهام العوامل الخارجية، أصبح التركيز ينصب على كيفية تعزيز القدرة التنافسية المحلية، وتحفيز الابتكار، والاستثمار في رأس المال البشري، وتنويع مصادر الدخل. هذه هي الأسس التي تبني عليها الاقتصادات المرنة والقوية في وجه أي صدمات.
إن القبول بأن المشكلات الاقتصادية جزء منها على الأقل نابع من قرارات وسياسات داخلية يفتح الباب أمام إصلاحات حقيقية. سواء كان الأمر يتعلق بتحسين بيئة الأعمال، أو معالجة الديون المتراكمة، أو إصلاح الأنظمة التعليمية لتلبية احتياجات سوق العمل المتغيرة، فإن هذه هي المجالات التي تحتاج إلى الاهتمام.
في الختام، يبدو أن فترة ترامب الرئاسية، بكل ما حملته من جدل وتوتر، قد قامت بدور محفز غير مقصود. لقد أوقظت العديد من الاقتصادات من سباتها، ودفعتها لتقييم ذاتها بصدق، والكشف عن ضعف بنيوي كان من الممكن أن يستمر في النمو تحت ستار اللوم الخارجي.
المسؤولية النهائية تقع على عاتق كل دولة ومجتمع لصياغة مستقبل اقتصادي مزدهر ومستدام، يعتمد على أسس متينة وقدرة على التكيف، بعيداً عن تقلبات السياسة العالمية أو تأثيرات اللاعبين الكبار.
كتاب الأعمدة، رأي، كندا