في خضم منعطف تاريخي حاسم، تواجه كندا تساؤلات جدية حول طبيعة نظامها الديمقراطي. تتزايد الأصوات التي تشير إلى وجود “عجز ديمقراطي”، وهو ما يعني تآكل في آليات صنع القرار التي تضمن تمثيل جميع الأطياف. هذه اللحظة ليست مجرد عابرة؛ إنها تدفعنا إلى التفكير بعمق في مستقبل الحكم الرشيد في البلاد.
يتناول هذا الجدل بشكل خاص فكرة أن السلطة التنفيذية قد تركزت بشكل مفرط، لدرجة أن البعض يصف الوضع بأن كندا “تُدار من قبل رجل واحد”، هو رئيس الوزراء مارك كارني، الذي يمتلك الكلمة الفصل في كل القرارات المهمة. هذه الفكرة تثير قلقاً واسعاً بشأن مبادئ الفصل بين السلطات والتوازن الذي يُفترض أن يحكم العمل الحكومي.
السلطة التنفيذية والبرلمان
في نظام برلماني مثل كندا، يُفترض أن يكون للبرلمان دور محوري في المساءلة والتشريع، وأن تُمثّل فيه أصوات الأقاليم والمقاطعات المختلفة. لكن عندما يبدو أن القوة تتجمع في يد رئيس الوزراء وفريقه المقرب، فإن هذا يضعف الدور الرقابي للبرلمان ويقلل من فعالية المعارضة في دفع عجلة الإصلاح أو حتى مساءلة الحكومة.
ما هي تداعيات هذا التركيز على المواطن العادي؟ إذا كانت القرارات تُتخذ بشكل مركزي، فقد يشعر المواطنون بأن أصواتهم لا تُسمع وأن آراءهم لا تُؤخذ في الاعتبار، مما يؤدي إلى تراجع ثقتهم في العملية الديمقراطية برمتها. هذا الشعور بالإقصاء يمكن أن يولد اللامبالاة أو حتى الإحباط.
تحليلي الخاص: مخاوف مشروعة
من وجهة نظري، فإن المخاوف بشأن العجز الديمقراطي في كندا تبدو مشروعة. فالديمقراطية لا تقتصر على صناديق الاقتراع كل بضع سنوات فحسب، بل هي عملية مستمرة من التشاور والمساءلة والشفافية. عندما تتضاءل هذه المبادئ، حتى لو كان ذلك بدوافع حسنة، فإن جوهر النظام الديمقراطي نفسه يتعرض للضغط.
يمكن أن يؤدي هذا التركيز المفرط للسلطة إلى قرارات غير متوازنة لا تعكس التنوع الفيدرالي في كندا، أو تتجاهل الاحتياجات الخاصة لبعض المجموعات أو المناطق. كما يمكن أن يفتح الباب أمام تآكل مبدأ المساءلة، حيث يصبح من الصعب تحديد المسؤول عن قرارات معينة في ظل هيمنة فردية.
سبل تجاوز التحدي
تتطلب معالجة هذا العجز الديمقراطي مراجعة شاملة لآليات الحكم. يمكن أن يشمل ذلك تعزيز دور لجان البرلمان، ومنح النواب الخلفيين صلاحيات أكبر، وفتح قنوات أوسع للمشاركة المدنية في صياغة السياسات. الأمر يتعلق بإعادة التوازن إلى النظام، لضمان أن تبقى كندا نموذجاً للديمقراطية النابضة بالحياة.
إنها دعوة للمواطنين والساسة على حد سواء للتفكير في كيفية الحفاظ على حيوية الديمقراطية الكندية. هل نحن مستعدون لقبول نظام يتم فيه اتخاذ القرارات بعيداً عن الرقابة الشعبية؟ أم أننا سنطالب بمساءلة أكبر وتمثيل أوسع؟
إن التحدي لا يكمن في وجود قيادة قوية، بل في كيفية ممارستها للسلطة دون الإخلال بالمبادئ الديمقراطية الأساسية. يجب أن يبقى الهدف هو بناء ديمقراطية تخدم الجميع، وتُشرك جميع الأصوات، وتضمن أن كندا تستمر في الازدهار على أسس متينة من العدالة والتمثيل.
في الختام، فإن “العجز الديمقراطي” ليس مجرد مصطلح أكاديمي؛ إنه ظاهرة حقيقية قد تؤثر على نسيج المجتمع الكندي. من الضروري أن ننتبه لهذه الإشارات وأن نعمل بجد لضمان أن تبقى الديمقراطية الكندية قوية وممثلة بحق لشعبها في هذه المرحلة التاريخية الهامة.
كلمات مفتاحية:
رأي، كتاب الأعمدة