تجد كندا نفسها، في منعطف حاسم من تاريخها، أمام تحدٍ جوهري يهدد أسس نظامها الديمقراطي. يشير تقرير حديث إلى أن الكنديين يواجهون ما يُعرف بـ “العجز الديمقراطي”، وهي ظاهرة تتجلى في تركيز السلطة وصنع القرار في يد شخص واحد، مما يثير تساؤلات جدية حول مدى تمثيل الإرادة الشعبية وتعدد الأصوات.
ما هو العجز الديمقراطي؟
في جوهرها، تعني مقولة “العجز الديمقراطي” وجود فجوة بين ما يجب أن تكون عليه الديمقراطية وما هي عليه في الواقع. وفقًا للمقال، فإن المشكلة تكمن في أن كندا تُدار وكأنها مشروع شخصي بيد فرد واحد يحتكر اتخاذ جميع القرارات الحاسمة، مما يقلص من دور البرلمان ويضعف آليات الرقابة والمحاسبة التي تُعد حجر الزاوية في أي نظام ديمقراطي سليم.
هذا التركيز المفرط للسلطة في يد رئيس الوزراء، أو أي شخصية سياسية أخرى، يمكن أن يؤدي إلى تهميش الأصوات الأخرى، سواء كانت من المعارضة أو من أعضاء الحزب الحاكم أنفسهم. فالمشاورات تصبح شكلية، والمبادرات التشريعية قد تفتقر إلى النقد البناء، مما يقود إلى قرارات لا تعكس التنوع الفكري والاحتياجات المعقدة للمجتمع الكندي.
وعلى الصعيد الشعبي، يمتد تأثير هذا العجز ليشمل ثقة المواطنين في مؤسساتهم الديمقراطية. عندما يشعر الأفراد بأن صوتهم لا يُسمع، أو أن قرارات مصيرية تُتخذ بعيدًا عن رقابة وتمحيص كافيين، يتضاءل لديهم الشعور بالمشاركة الفاعلة، وقد يؤدي ذلك إلى اللامبالاة السياسية أو حتى النفور منها.
من وجهة نظري، فإن هذا السيناريو مثير للقلق بشكل خاص. فالديمقراطية لا تتعلق فقط بالانتخابات، بل هي عملية مستمرة من الحوار، والتفاوض، والبحث عن التوافق. عندما تُختزل هذه العملية في رؤية شخص واحد، فإننا نخاطر بخسارة الثراء الناتج عن وجهات النظر المتعددة والحجج المتبادلة، مما يضر بجودة السياسات المتخذة ومناسبتها للواقع.
تداعيات التركيز السلطوي
تتجلى التداعيات بعيدة المدى لهذا التركيز السلطوي في جوانب عدة. فمن الممكن أن يؤثر على الاستقرار السياسي، حيث يمكن أن تؤدي القرارات المتسرعة أو غير المدروسة إلى احتجاجات شعبية أو انقسامات مجتمعية عميقة. كما يمكن أن يعيق الابتكار في الحكم، إذ أن الحلول الإبداعية غالبًا ما تنشأ من النقاش الجماعي وتبادل الأفكار.
ولكي تستعيد الديمقراطية الكندية عافيتها، يتوجب تفعيل دور البرلمان كنواة للمساءلة والتمثيل. ينبغي أن يتمتع النواب بصلاحيات حقيقية لتمحيص السياسات الحكومية، والتعبير عن آراء ناخبيهم دون قيود صارمة، مما يضمن أن تكون القرارات الحكومية نتاجًا لعملية ديمقراطية شاملة وليست مجرد إملاءات من الأعلى.
نحو استعادة التوازن
يتطلب معالجة هذا العجز الديمقراطي جهودًا مشتركة من جميع الأطراف. يجب على الأحزاب السياسية أن تلتزم بمبادئ الشفافية والمساءلة، وعلى وسائل الإعلام أن تلعب دورها في تسليط الضوء على هذه القضايا، والأهم من ذلك، يجب على المواطنين أن يظلوا يقظين ومشاركين، مطالبين بحقهم في أن تكون أصواتهم مسموعة وممثلة بفاعلية.
إن التاريخ يذكرنا دائمًا بأن الديمقراطية ليست منحة، بل هي عملية بناء مستمرة تتطلب يقظة وحماية دائمة. في هذا المنعطف الحرج، يتعين على الكنديين التفكير مليًا في مستقبل نظامهم السياسي، والعمل بجد لضمان أن تبقى السلطة موزعة، وأن تظل الأصوات المتعددة هي التي تشكل مسار الأمة.
ختامًا، إن التحدي الذي يواجه الديمقراطية الكندية اليوم ليس مجرد مسألة سياسية عابرة، بل هو دعوة لإعادة تقييم القيم الأساسية التي يقوم عليها هذا المجتمع. إن استعادة التوازن الديمقراطي، حيث تكون القرارات نتاجًا لتعدد الأصوات والتداول الجاد، هي السبيل الوحيد لضمان مستقبل مزدهر وعادل لكل الكنديين.