في خضم الجهود المتواصلة لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، تبرز أهمية تبني مقاربات فعالة وشاملة تضمن تحقيق الأثر المرجو. وبينما تسعى مقاطعة ألبرتا الكندية إلى بلورة خططها لمواجهة هذه الظاهرة المدمرة، يتجدد النقاش حول الأولويات والتوجهات الصحيحة التي يجب أن ترتكز عليها هذه الخطط لضمان نجاحها الحقيقي. فهل تضع الخطط الراهنة الناجين في صميم اهتمامها، أم أنها لا تزال عالقة في فخ القوالب النمطية؟
إن الاعتماد على القوالب النمطية والمفاهيم المسبقة في التعامل مع قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية. فبدلاً من فهم تعقيدات التجارب الفردية للناجين وتنوع احتياجاتهم، قد تركز الخطط على حلول عامة لا تلامس جوهر المشكلة، مما يؤدي إلى تهميش الأصوات الأكثر حاجة للدعم وإدامة دائرة العنف بدلاً من كسرها. هذا النهج لا يوفر الحماية الكافية ولا يشجع على التعافي الشامل.
لماذا التركيز على الناجين أمر بالغ الأهمية؟
ما تدعو إليه الأصوات المنادية بالتغيير هو تحول جذري في التركيز، من القوالب النمطية الجامدة إلى التجارب المعيشة للناجين أنفسهم. يجب أن تكون رؤاهم وأصواتهم البوصلة التي توجه كل جهد وخطوة في مسار مكافحة هذا العنف. إن هذا التحول ليس مجرد تغيير في الأسلوب، بل هو اعتراف عميق بأن الحلول الأكثر فاعلية تنبع من فهم الواقع المعاش لأولئك الذين خاضوا تجربة العنف ونجوا منها.
الناجون ليسوا مجرد أرقام في إحصائيات؛ هم أفراد لديهم قصص فريدة واحتياجات متنوعة. إن تمكينهم من المشاركة الفاعلة في صياغة السياسات والبرامج المتعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي يضمن أن تكون هذه السياسات ذات صلة، عملية، وتستجيب بالفعل للتحديات الحقيقية التي يواجهونها. هذا النهج يساهم في بناء الثقة ويعزز الشعور بالأمان لدى الناجين، وهو أمر حيوي لعملية التعافي.
تتطلب المقاربة التي تركز على الناجين تصميم برامج دعم شاملة تتجاوز مجرد توفير المأوى المؤقت. يجب أن تشمل هذه البرامج الدعم النفسي والاجتماعي، والمساعدة القانونية، وفرص إعادة التأهيل الاقتصادي، وسبل الوصول إلى التعليم والتدريب. كما يجب أن تولي اهتماماً خاصاً لتنوع الخلفيات الثقافية والاجتماعية للناجين، لتقديم دعم حساس ومراعي للاختلافات الفردية، بعيداً عن الحلول الواحدة التي لا تناسب الجميع.
رأيي وتحليلي: تجاوز الحلول السطحية
من وجهة نظري، إن النقاش حول وضع الناجين في صميم خطط مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي يعكس ضرورة ملحة لإعادة تقييم أولوياتنا المجتمعية. فكثيراً ما تقع الحكومات والمؤسسات في فخ تبني حلول سريعة وموجهة إعلامياً، بدلاً من الغوص عميقاً في الجذور الاجتماعية والنفسية للعنف. إن التركيز على الناجين يعني التزاماً حقيقياً بالعدالة والشفاء، وليس مجرد إدارة الأزمة. إنه يدفعنا إلى التفكير في الوقاية كعنصر لا يتجزأ من الاستجابة، من خلال بناء مجتمعات تمكّن الأفراد وتحميهم من الأساس.
لا شك أن تطبيق مثل هذا النهج يواجه تحديات جمة. فإلى جانب الحاجة إلى تخصيص موارد كافية، يتطلب الأمر تغييرات في التفكير والتدريب لدى العاملين في هذا المجال، وضمان أن الأنظمة القانونية والاجتماعية داعمة وليست معرقلة. كما يستلزم التغلب على وصمة العار المرتبطة بالتعرض للعنف، وتشجيع الناجين على الإبلاغ وطلب المساعدة دون خوف من التمييز أو الحكم.
لتحقيق أقصى درجات الفعالية، يجب أن تتضمن خطط ألبرتا (وغيرها من الحكومات) آليات واضحة لإشراك الناجين في كل مراحل العملية: من التشخيص وجمع البيانات، إلى صياغة السياسات، وتنفيذ البرامج، وحتى تقييم الأثر. إن إنشاء مجالس استشارية للناجين، وتوفير منصات آمنة لتبادل الخبرات، يمكن أن يكون حجر الزاوية في بناء استجابة شاملة ومستدامة.
إن التركيز على الناجين لا يعود بالنفع عليهم فحسب، بل يمتد ليشمل المجتمع بأسره. فعندما يتم تمكين الأفراد من التعافي وإعادة بناء حياتهم، يصبحون عناصر فاعلة تسهم في نمو المجتمع ورفاهه. كما أن فهم تجاربهم يمكن أن يقدم دروساً قيّمة حول كيفية الوقاية من العنف في المستقبل، وكيفية بناء مجتمعات أكثر عدلاً وإنصافاً للجميع.
في الختام، إن مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي تتطلب أكثر من مجرد إعلانات نوايا أو حلول عامة. إنها تستدعي مقاربة عميقة الجذور، تركز بلا هوادة على احتياجات وأصوات الناجين. يجب على ألبرتا، وغيرها من الجهات، أن تتخذ خطوة حاسمة نحو وضع الناجين في قلب كل استراتيجية، لأن شفاءهم وتمكينهم هو السبيل الوحيد نحو تحقيق مجتمع خالٍ من العنف، حيث يشعر كل فرد بالأمان والقيمة والاحترام.
الكلمات المفتاحية المترجمة:
Opinion: رأي
Columnists: كتاب أعمدة