تتوالى الأنباء من كندا لتكشف عن تحدٍ إنساني جديد يواجهه الكنديون من أصل سوداني، وهم يسعون جاهدين لتوفير ملاذ آمن لأحبائهم الفارين من ويلات الصراع في السودان. ففي قلب الرغبة النبيلة في لمّ شمل الأسر وحماية الضعفاء، تصطدم جهودهم بحواجز بيروقراطية تُثير القلق وتُضيّع الأمل.
تكمن المشكلة الرئيسية في رفض طلبات الكفالة الخاصة التي يقدمونها لأفراد عائلاتهم، دون تقديم تفسيرات واضحة أو إرشادات كافية حول الأخطاء المزعومة أو كيفية تصحيحها. هذا الغموض يزيد من الإحباط ويُطيل أمد المعاناة، في وقت تتسابق فيه هذه العائلات مع الزمن لإنقاذ ذويها من براثن الخطر المحدق.
ثمن الانتظار: معاناة إنسانية
لا يقتصر الأمر على مجرد إجراءات ورقية؛ بل يتجاوز ذلك ليلامس جوهر المعاناة الإنسانية. فالكنديون السودانيون يعيشون كابوسًا يوميًا، تراودهم صور أحبائهم العالقين في منطقة نزاع، ويشعرون بالعجز أمام نظام لا يُقدم لهم يد العون الكافية في أحلك أوقات الحاجة. إنها معركة لا يتطلب الفوز بها دائمًا الشجاعة، بقدر ما يتطلب الوضوح والرحمة.
على الجانب الآخر، صرّح متحدث باسم الحكومة الفيدرالية أن جميع الطلبات المرفوضة تتلقى مراسلات شاملة ومفصلة من وزارة الهجرة واللاجئين والمواطنة الكندية (IRCC). هذا التصريح يُشكّل تباينًا صارخًا مع التجارب التي يرويها أفراد الجالية السودانية، مما يُثير تساؤلات حول طبيعة هذه المراسلات وما إذا كانت حقًا “شاملة” بالشكل الذي يُمكّن مقدمي الطلبات من فهم الأسباب وتصحيحها.
الفجوة بين القول والفعل: أين يكمن الخلل؟
إن وجود هذه الفجوة بين ما تُعلنه الحكومة وما يختبره المواطنون على أرض الواقع يُشير إلى خلل ما. فإما أن المراسلات غير واضحة بما يكفي، أو أن المستلمين لا يجدون فيها المعلومات العملية التي تُساعدهم على المضي قدمًا. في مثل هذه الظروف العصيبة، لا يكفي الرفض المجرد؛ بل يجب أن يُرفق بإرشاد عملي يوجه مقدم الطلب خطوة بخطوة نحو التصحيح، خاصة وأن الأمر يتعلق بأرواح بشرية.
من وجهة نظري، يجب على الحكومة الكندية، ممثلة في وزارة الهجرة، أن تُعيد النظر في آلياتها التواصلية. ففي أوقات الأزمات الإنسانية، تتزايد الحاجة إلى المرونة والتعاطف، ويجب أن تتجاوز الإجراءات الروتينية لتقدّم حلولاً فعالة وسريعة. إن مجرد الإبلاغ بالرفض دون تفصيل يُعد عقبة إضافية أمام من يسعون لإنقاذ عائلاتهم.
لذا، أدعو المسؤولين إلى تبني مقاربة أكثر شفافية وعملية. ينبغي توفير خطوط ساخنة للمساعدة الفنية، أو ورش عمل توجيهية، أو حتى نماذج واضحة ومبسطة تُحدد الأخطاء الشائعة وكيفية تفاديها. هذا من شأنه أن يُقلل من الإحباط ويُسرّع من وتيرة معالجة الطلبات، ويُعزز ثقة الجالية بالنظام.
لطالما كانت كندا ملاذًا للاجئين ورمزًا للترحيب بالمتضررين من الصراعات. هذه السمعة تُبنى على الفعل لا القول، وعلى الاستجابة الإنسانية الفعالة في الأوقات الصعبة. إن تسهيل إجراءات لمّ الشمل للأسر الفارة من جحيم الحرب هو جوهر الالتزام بهذه القيم الكندية الأصيلة.
إن الحاجة الملحة لتوفير ممرات آمنة للسودانيين الفارين من النزاع تتطلب استجابة فورية وحازمة. يجب ألا تُعيق البيروقراطية حياة الأبرياء. إن تقديم الدعم الواضح والمُباشر للمواطنين الكنديين الذين يحاولون مساعدة أفراد أسرهم ليس مجرد تفضيل، بل هو ضرورة أخلاقية وإنسانية.
في الختام، تبقى هذه القضية اختبارًا حقيقيًا لالتزام كندا بقيمها الإنسانية. يجب على أوتاوا أن تُصغي جيدًا لنداءات الكنديين السودانيين، وأن تُترجم تصريحاتها إلى إجراءات عملية تُزيل العقبات وتُمكن العائلات من تحقيق الأمان الذي طال انتظاره. الأمل معلق على استجابة شفافة ومتعاطفة تُعيد البسمة لعائلات مزقتها الحرب وتُعيد الثقة في نظام يُفترض أن يكون سندًا لا عائقًا.
news/canada/london: أخبار/كندا/لندن