في الوقت الذي تتفاخر فيه كندا بكونها ملاذاً للباحثين عن حياة أفضل، تبرز صورة مؤلمة ومفارقة حادة في قلب مدنها الكبرى: مواطنون كنديون يجدون أنفسهم بلا مأوى، يعيشون في خيام ويواجهون قسوة الشتاء، بينما تتكفل الحكومة الفيدرالية بتكاليف إقامة الوافدين الجدد في الفنادق. هذا التباين الصارخ يثير تساؤلات عميقة حول الأولويات الوطنية وفعالية السياسات الحالية.
المشهد ليس مقتصراً على هامش المدن، بل أصبح جزءاً من نسيج الحياة اليومية في العديد من المراكز الحضرية. ازدياد أعداد المشردين من المواطنين الكنديين، بمن فيهم العائلات والأفراد الذين كانوا يوماً ما يتمتعون باستقرار، يمثل أزمة اجتماعية وإنسانية متفاقمة. أصبحت الملاجئ تعاني من الاكتظاظ، والخيام تنتشر في الحدائق العامة وتحت الجسور، كدليل صامت على فشل الأنظمة في توفير أبسط الحقوق الإنسانية.
في المقابل، تتداول الأنباء عن عقود حكومية ضخمة لدفع تكاليف الفنادق للمهاجرين وطالبي اللجوء، وهو ما يكلف دافع الضرائب الكندي ملايين الدولارات. هذا الدعم، وإن كان يهدف إلى تقديم المساعدة الفورية للقادمين الجدد، إلا أنه يصطدم بمرارة الواقع الذي يعيشه المواطن الكندي الأصيل الذي بات يشعر بالتهميش والإهمال في وطنه.
تحديات الإسكان والهجرة: معادلة صعبة
تتزامن هذه الأزمة مع ارتفاع جنوني في تكاليف السكن والإيجارات في كندا، مما يجعل امتلاك منزل حلماً بعيد المنال للعديد من الشباب والأسر. السوق العقاري المشتعل، ونقص المعروض، بالإضافة إلى الضغط المتزايد على البنية التحتية، جميعها عوامل تساهم في تفاقم المشكلة وتجعلها أكثر تعقيداً.
في ظل هذا الواقع، تتعالى الأصوات المطالبة بوقفة تأمل وإعادة تقييم لسياسات الهجرة. يرى المنتقدون، ومن بينهم معلقون بارزون، أن كندا بحاجة ماسة إلى “تجميد” مؤقت لبرامج الهجرة حتى يتسنى لها إصلاح الأنظمة الداخلية المتهالكة، وتوفير حلول مستدامة لأزمة الإسكان والرعاية الصحية التي يعاني منها مواطنوها بالفعل.
أولويات الوطن والمواطن
من منظور شخصي، أجد أن هذا التباين يخلق معضلة أخلاقية صعبة. فبينما يجب على الدول المتقدمة أن تضطلع بدورها الإنساني في استقبال الفارين من الصراعات والباحثين عن حياة أفضل، لا يمكنها أن تفعل ذلك على حساب رفاهية مواطنيها. يجب أن تكون رفاهية المواطن في صلب أي سياسة حكومية، وإهمال هذا الجانب يؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي وزيادة الشعور بالظلم.
إن استمرار تدفق الهجرة بأعداد كبيرة دون وجود خطة واضحة ومستدامة لاستيعاب هؤلاء الوافدين وتوفير البنية التحتية اللازمة لهم وللمواطنين الحاليين، هو وصفة محتملة لكارثة. لا يكفي توفير مأوى مؤقت، بل يجب العمل على توفير سكن دائم، وفرص عمل، وخدمات صحية وتعليمية كافية للجميع، سواء كانوا مواطنين أو قادمين جدداً.
إن تجاهل مشكلة التشرد بين الكنديين الأصليين، وفي الوقت نفسه تقديم الدعم السخي للوافدين، قد يولد استياءً مجتمعياً يمكن أن يتفاقم ليصبح انقساماً خطيراً. هذا ليس تقليلاً من قيمة المساعدة الإنسانية، بل هو دعوة إلى التوازن والتخطيط السليم الذي يضمن عدم تفضيل مجموعة على أخرى، ويحفظ كرامة الجميع.
لذا، بات من الضروري أن تعيد الحكومة الكندية النظر في سياساتها الحالية، وتستمع جيداً لأصوات مواطنيها. يجب أن تشمل هذه المراجعة تقييماً دقيقاً لقدرة البنية التحتية على استيعاب المزيد من السكان، ووضع استراتيجيات عاجلة وفعالة لمعالجة أزمة الإسكان والتشرد بين المواطنين، قبل المضي قدماً في برامج الهجرة الطموحة.
في الختام، إن كندا، بتاريخها الغني بالتعايش والتعددية، مدعوة اليوم لإيجاد توازن دقيق بين طموحاتها الإنسانية وواجباتها تجاه مواطنيها. إن توفير المأوى الكريم للجميع، سواء كانوا قدماء أو جدد، ليس مجرد قضية اقتصادية أو سياسية، بل هو جوهر القيم التي بنيت عليها هذه الأمة. يجب أن يكون الحل شاملاً، يعالج الأسباب الجذرية للمشكلة، ويضمن مستقبلًا مستقرًا ومزدهرًا لكافة سكان كندا.
رأي: opinion