لطالما كانت العلاقة بين كندا والولايات المتحدة نموذجًا فريدًا للتعاون والصداقة عبر الحدود، حيث كانت الحدود المشتركة تمثل نقطة عبور سلسة للملايين من الزوار والسياح سنويًا. لكن يبدو أن هذه الديناميكية التاريخية تشهد تحولًا جذريًا في الآونة الأخيرة، حيث أصبحت الأراضي الأمريكية أقل جاذبية للمسافر الكندي، في ظاهرة توصف بأنها “تجاهل” أو “شبح” للجارة الجنوبية.
تشير الأرقام بوضوح إلى انخفاض حاد في حركة السفر من كندا إلى الولايات المتحدة. فبعد عقود من التبادلات الثقافية والاقتصادية الوثيقة، بات الكنديون يتجنبون الرحلات التي كانت تعتبر تقليدًا راسخًا، سواء لقضاء العطلات أو زيارة الأقارب أو حتى التسوق. هذا التحول لا يعكس مجرد تباطؤ عابر، بل قد يشير إلى تغير أعمق في نظرة الكنديين إلى جارتهم القوية.
تأثير التوترات السياسية
يمكن إرجاع جزء كبير من هذا التراجع إلى التوترات السياسية المتصاعدة، وخصوصًا خلال فترة رئاسة دونالد ترامب. فالسجالات الدبلوماسية، والخطاب السياسي الحاد، والسياسات التي أثرت سلبًا على العلاقات الثنائية، خلقت مناخًا من عدم الارتياح لدى الكنديين. لقد شعر العديد منهم بأن الصداقة التاريخية قد تعرضت لضغوط غير مسبوقة، مما جعلهم يعيدون التفكير في جدوى قضاء وقتهم وأموالهم جنوب الحدود.
بالإضافة إلى العوامل السياسية، تلعب العوامل الاقتصادية دورًا محوريًا في هذا التغير. فالتعريفات الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب على السلع الكندية، والتي استهدفت صناعات أساسية مثل الصلب والألمنيوم، أحدثت توترًا اقتصاديًا انعكس على شعور المستهلك الكندي. كما أن تكلفة السفر، وسعر صرف الدولار الكندي مقابل الأمريكي، قد تكون عوامل إضافية تثني الكنديين عن زيارة الولايات المتحدة.
تظهر الإحصائيات انخفاضًا ملحوظًا في عدد الرحلات البرية والجوية. فالرحلات المتكررة بالسيارة، التي كانت سمة مميزة للعلاقة بين البلدين، شهدت هبوطًا حادًا. وكذلك تراجعت رحلات الطيران بشكل كبير، مما يشير إلى أن التراجع ليس مقتصرًا على فئة معينة من المسافرين، بل هو اتجاه عام يشمل كافة أنماط السفر.
انتعاش السياحة الداخلية الكندية
في المقابل، شهدت السياحة الداخلية في كندا انتعاشًا ملحوظًا. فمع تراجع السفر إلى الولايات المتحدة، بدأ الكنديون في استكشاف كنوز بلادهم الخاصة. هذا التحول الإيجابي يعزز الاقتصاد المحلي ويسلط الضوء على الوجهات السياحية الكندية التي ربما كانت مهملة في السابق لصالح الوجهات الأمريكية الأكثر شهرة.
وقد استفادت المنتجعات والوجهات السياحية الكندية بشكل كبير من هذا التوجه. فالمقاطعات الكندية، من جبال روكي الشاهقة إلى شواطئ المحيط الأطلسي الساحرة، ومن المدن النابضة بالحياة إلى الحدائق الوطنية الخلابة، أصبحت تجذب عددًا متزايدًا من المسافرين الكنديين الذين يبحثون عن تجارب محلية غنية ومستدامة.
رأيي وتحليلي
أعتقد أن هذا التحول في أنماط السفر الكندية ليس مجرد ظاهرة عابرة مرتبطة بفترة رئاسية معينة. بل قد يكون مؤشرًا على إعادة تقييم أعمق للهوية الكندية وعلاقتها بجارتها الكبرى. فالصدمات السياسية والاقتصادية قد دفعت الكنديين لإعادة اكتشاف بلادهم، وربما ستساهم في تعزيز شعور أكبر بالوحدة الوطنية والاعتماد على الذات في قطاع السياحة.
من وجهة نظري، يمثل هذا التوجه فرصة ذهبية لكندا لتعزيز بنيتها التحتية السياحية الداخلية وتنويع مصادر دخلها. فاعتماد الكنديين على وجهاتهم الخاصة يمكن أن يخلق صناعة سياحية محلية أكثر مرونة واستدامة، ويوفر فرص عمل جديدة في مختلف المناطق الكندية، ويقلل من التأثر بالتقلبات السياسية والاقتصادية الخارجية.
في الختام، بينما يعبر انخفاض السفر الكندي إلى الولايات المتحدة عن تراجع ملحوظ في علاقة تاريخية، إلا أنه في الوقت نفسه يمثل فرصة لكندا لتعزيز سياحتها الداخلية وتوطيد روابطها الثقافية والاقتصادية ضمن حدودها. إنها دعوة للكنديين لاستكشاف جمال وتنوع بلادهم، وتحويل تحدٍ خارجي إلى فرصة للنمو والازدهار الداخلي.
كلمات مفتاحية مترجمة:
- صداقة عبر الحدود (Cross-border friendship)
- توترات سياسية (Political tensions)
- تعريفات جمركية (Tariffs)
- سياحة داخلية (Domestic tourism)
- تراجع السفر (Travel decline)