يتأرجح المشهد الكندي المعاصر على حافة تساؤل وجودي عميق، صاغه شكسبير ببراعة قبل قرون، ويتردد صداه اليوم في عنوانٍ يلخص حالة التفكير القلقة: “أن تكون أو لا تكون، في كندا”. هذا العنوان ليس مجرد عبارة أدبية، بل هو مرآة تعكس تحديات مجتمعية وفكرية متزايدة، تدفعنا للتساؤل عن جوهر الهوية الكندية وما يعنيه الوجود الحقيقي في هذه الأرض الشاسعة.
صدى ألبرت كامو في المشهد الكندي
في عام 1951، كتب الفيلسوف الفرنسي ألبرت كامو كلمات ذات رؤية ثاقبة تبدو وكأنها تتحدث عن حاضرنا: “إذا كنا لا نؤمن بشيء، وإذا لم يكن لشيء معنى، وإذا لم نستطع تأكيد أي قيم على الإطلاق، فحينها كل شيء ممكن ولا شيء له أهمية”. هذه المقولة، التي تشير إليها المقالة الأصلية، تضع إصبعها على نبض ما يمكن أن يكون حالة من الإرباك القيمي التي تتغلغل في النسيج الاجتماعي الكندي.
فماذا يعني أن “كل شيء ممكن ولا شيء له أهمية” في سياق كندا الحديثة؟ ربما يشير ذلك إلى اضمحلال الحدود الأخلاقية الواضحة، أو التوسع في النسبية الثقافية التي قد تذيب جوهر القيم المشتركة. قد يكون انعكاسًا لحالة من التشرذم الفكري، حيث يغيب الإجماع على المبادئ الأساسية، وتصبح كل قضية قابلة للتأويل الشخصي المطلق، مما يفتح الباب أمام الفوضى المعنوية.
تحول القيم وانهيار اليقين
إن المجتمعات، ومنها المجتمع الكندي، تمر بتحولات عميقة تُعيد تعريفها لذاتها. في ظل العولمة وتدفق المعلومات، تتلاطم التيارات الفكرية، وتتغير معايير “الصواب والخطأ” بشكل مستمر. كامو، برؤيته الثاقبة، تنبأ بهذا السيناريو حيث يصبح الإيمان بالقيم أمرًا نسبيًا، مما يترك الأفراد والمجتمعات في حالة من البحث الدائم عن مرساتهم.
يمكن ملاحظة هذا التحول في النقاشات المستمرة حول الهوية الوطنية الكندية، وتحديات التنوع الثقافي، وحرية التعبير في مقابل الحساسيات المجتمعية. عندما تصبح كل وجهة نظر “صحيحة” بذاتها دون مرجعية قيمية أعمق، فإن السرد المشترك الذي يوحّد الأمة يبدأ في التفكك، وتتحول المساحات العامة إلى ساحات للخلاف بدلًا من التفاهم.
إن التداعيات المحتملة لهذا الاضمحلال القيمي خطيرة؛ فقد تؤدي إلى شعور عام باللا مبالاة أو السخرية، حيث يفقد المواطنون إحساسهم بالهدف المشترك. هذا بدوره يمكن أن يضعف الثقة بالمؤسسات، ويؤدي إلى تراجع المشاركة المدنية، وفي نهاية المطاف، يهدد تماسك المجتمع وقدرته على مواجهة التحديات المستقبلية بفعالية.
البحث عن المعنى والهوية
الوضع الكندي، بهذا المعنى، ليس استثناءً بل هو جزء من ظاهرة أوسع تعاني منها العديد من المجتمعات الغربية. السؤال هنا ليس فقط عن القيم التي يجب أن نتبناها، بل عن كيفية استعادة الإيمان بأن هناك قيمًا أساسية تستحق التأكيد عليها والدفاع عنها، وكيف يمكن لمجتمع متنوع مثل كندا أن يجد أرضية مشتركة تتجاوز الاختلافات السطحية.
تُظهر كلمات كامو أن الفلسفة ليست مجرد ترف فكري، بل هي ضرورة حيوية لفهم أعمق للتحديات المعاصرة. إنها تدعونا للتفكير في مغزى وجودنا الجماعي والفردي، وتحفزنا على البحث عن معنى حتى في أوقات الشك والاضطراب. إن رؤيته تحذير مبكر من مخاطر الانجراف نحو فراغ قيمي قد لا يمكن التعافي منه بسهولة.
لذا، فإن التحدي أمام كندا، وكثير من الدول، هو ليس فقط في التكيف مع التغيرات، بل في استعادة بوصلة أخلاقية واضحة. يتطلب ذلك حوارًا وطنيًا صريحًا حول القيم التي نريد أن نتبناها كمجتمع، وكيف يمكن لهذه القيم أن تكون بمثابة أساس يجمع شتات التنوع ويقوي النسيج الاجتماعي في مواجهة موجات اللا معنى.
في الختام، فإن تساؤل “أن تكون أو لا تكون” بالنسبة لكندا يتجاوز مجرد الوجود المادي ليطرح سؤالًا جوهريًا حول وجودها المعنوي والقيمي. إن صدى كلمات كامو يظل حاضرًا، يدعونا إلى اليقظة والعمل على بناء مجتمع لا يكتفي بالوجود، بل يمتلك معنى وهدفًا وقيمًا راسخة تضمن استمراريته وازدهاره في عالم متغير.
كلمات مفتاحية مترجمة:
Canada (كندا)
Values (قيم)
Identity (هوية)
Philosophy (فلسفة)
Albert Camus (ألبرت كامو)
Existentialism (وجودية)
