أصبح مستقبل الاقتصاد الكندي محط أنظار الجميع، خاصةً مع اقتراب موعد إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (CUSMA). ففي استطلاع رأي حديث، أعرب أكثر من 90% من قادة الأعمال الكنديين عن اعتقادهم بأن الخطر الأكبر الذي يهدد استقرار اقتصاد بلادهم يكمن في أي نتيجة سلبية قد تترتب على هذه المفاوضات. هذه النسبة المرتفعة تبعث برسالة واضحة حول مدى القلق السائد في الأوساط الاقتصادية.
تمثل اتفاقية CUSMA، التي حلت محل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (NAFTA)، حجر الزاوية في العلاقات التجارية بين الدول الثلاث. إنها ليست مجرد وثيقة، بل هي شبكة معقدة من القواعد واللوائح التي تسهل حركة البضائع والخدمات ورؤوس الأموال عبر الحدود، وتضمن وصولاً سلساً للأسواق لقطاعات متعددة من الصناعات الكندية.
تأتي أهمية إعادة التفاوض هذه من كونها فرصة لمراجعة وتحديث بنود الاتفاقية بما يتناسب مع التغيرات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية. ومع ذلك، فإن هذه المراجعة تحمل في طياتها مخاطر جمة، فأي خلاف أو فشل في التوصل إلى تفاهم جديد قد يقلب الموازين ويزعزع الاستقرار الاقتصادي الذي تمتع به الشمال الأمريكي لعقود.
لماذا تعد CUSMA حيوية لكندا؟
بالنسبة لكندا، تُعد CUSMA شريان حياة اقتصادي لا غنى عنه. فالاقتصاد الكندي يعتمد بشكل كبير على الوصول إلى السوق الأمريكية الضخمة، حيث توجه إليه غالبية صادرات كندا. هذه الاتفاقية تضمن بقاء سلاسل الإمداد متكاملة وفعالة، مما يدعم آلاف الشركات والوظائف في مختلف القطاعات، من الطاقة والزراعة إلى الصناعات التحويلية والتكنولوجيا.
إن أي نتيجة سلبية لإعادة التفاوض، مثل فرض رسوم جمركية جديدة، أو قيود على الاستيراد والتصدير، أو حتى تعقيد الإجراءات البيروقراطية، يمكن أن تشل حركة التجارة. هذا بدوره سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتراجع القدرة التنافسية للمنتجات الكندية، وتأثير مباشر على أرباح الشركات وميزانيات المستهلكين.
لا يقتصر التأثير على الشركات الكبيرة فحسب، بل يمتد ليشمل الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على الأسواق الخارجية. كما أن المستثمرين قد يعيدون تقييم خططهم في كندا إذا شعروا بعدم اليقين التجاري، مما قد يؤدي إلى تباطؤ في الاستثمارات الجديدة وفقدان فرص العمل، وبالتالي تراجع النمو الاقتصادي بشكل عام.
تحليلي ورأيي الشخصي
من وجهة نظري، فإن هذا الإجماع الكبير بين قادة الأعمال الكنديين ليس مجرد تحذير عابر، بل هو صرخة استغاثة حقيقية تعكس فهمهم العميق للمخاطر المحدقة. هذا يؤكد أن الاعتماد الكندي على السوق الأمريكية ليس مجرد تفضيل، بل هو واقع هيكلي يجعل أي خلل في العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة بمثابة ضربة قاصمة للاقتصاد الكندي. إنها ليست قضية سياسية بحتة، بل هي مسألة اقتصادية وجودية.
أعتقد أن الحكومة الكندية مطالبة بتبني استراتيجية تفاوضية غاية في الدقة والحذر، مع إعطاء الأولوية القصوى للحفاظ على المكتسبات التجارية وتقليل المخاطر. يجب أن تكون المفاوضات مدعومة بتحليل اقتصادي معمق لكل بند، ومرونة كافية لتجاوز العقبات، ولكن بثبات على المصالح الوطنية الأساسية. ورغم أهمية تنويع الشركاء التجاريين على المدى الطويل، إلا أن اتفاقية CUSMA تبقى هي المحور الأساسي في المدى المنظور.
في حال كانت النتائج أقل من التوقعات، يجب أن تكون كندا مستعدة بسيناريوهات بديلة للتخفيف من الأضرار. قد يشمل ذلك تعزيز التجارة البينية المحلية، البحث عن أسواق جديدة بعيداً عن أمريكا الشمالية (وهو أمر صعب ويتطلب وقتاً طويلاً)، أو تقديم حوافز للشركات المتضررة. لكن كل هذه الإجراءات لن تكون بديلاً كاملاً عن اتفاقية تجارية قوية ومستقرة مع شريكيها الشماليين.
في الختام، تُعد إعادة التفاوض على اتفاقية CUSMA لحظة فارقة في تاريخ كندا الاقتصادي. إنها اختبار حقيقي لقدرة البلاد على صون مصالحها التجارية في بيئة عالمية متقلبة. التحدي كبير، والمسؤولية جسيمة، والأمل معقود على حكمة المفاوضين لضمان مستقبل اقتصادي مزدهر ومستقر لكندا، بعيداً عن شبح المخاطر التي تلوح في الأفق.
كلمات مفتاحية مترجمة:
CUSMA: كاسما
Canadian economy: الاقتصاد الكندي
Business leaders: قادة الأعمال
Renegotiation: إعادة التفاوض
Trade agreement: اتفاقية تجارية
Risk: خطر
