في خطوة دبلوماسية تحمل الكثير من الدلالات، أعلن رئيس الوزراء الكندي مارك كارني نيته لقاء الزعيم الصيني شي جين بينغ خلال قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (APEC) هذا الأسبوع. تأتي هذه المبادرة الكندية مدفوعة برغبة واضحة في إعادة ضبط العلاقات المتوترة مع بكين، والتي شهدت سنوات من الجمود والصراع، خاصة مع تصاعد حدة النزاعات التجارية بين أوتاوا وواشنطن.
توتر العلاقات وانعكاساته
لم تكن العلاقات بين كندا والصين في أفضل حالاتها على مدى السنوات القليلة الماضية. فقد تصاعد التوتر بشكل كبير إثر اعتقال مديرة هواوي المالية منغ وانزهو في كندا، وما تلاها من اعتقال مواطنين كنديين اثنين في الصين، وهي قضايا أدت إلى تعميق هوة الخلاف وتجميد العديد من مسارات التعاون الدبلوماسي والاقتصادي بين البلدين. هذا الجمود ألقى بظلاله الثقيلة على طموحات كندا في التوسع بأسواق آسيا.
لقد عانت المصالح الاقتصادية الكندية من التداعيات السلبية لهذا التدهور، حيث تأثرت قطاعات تجارية حيوية. وفي ظل التحديات المتزايدة التي تواجهها أوتاوا في علاقاتها التجارية مع جارتها الجنوبية، الولايات المتحدة، أصبح البحث عن بدائل وتنويع الشركاء التجاريين ضرورة استراتيجية قصوى. الصين، بحجمها الاقتصادي الهائل، تمثل سوقًا لا يمكن تجاهله لأي قوة اقتصادية كبرى.
الحاجة الملحة لإعادة الضبط
من المنظور الكندي، تهدف جهود إعادة العلاقات إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية. أولاً، تخفيف الاعتماد المفرط على السوق الأمريكية عبر فتح قنوات تجارية جديدة. ثانياً، استغلال الفرص الاقتصادية الكامنة في السوق الصينية الضخمة للمنتجات الكندية المتنوعة، من المواد الخام إلى التكنولوجيا. وثالثاً، ربما يكون هناك سعي لاستعادة بعض النفوذ الدبلوماسي على الساحة الدولية من خلال إدارة علاقات معقدة ومتعددة الأوجه.
أما من جانب الصين، فإن استئناف الحوار مع كندا يمكن أن يخدم مصالحها الاستراتيجية. فقد ترى بكين في هذه الفرصة وسيلة لتعزيز شبكة علاقاتها الدبلوماسية، وربما إظهار قدرتها على بناء جسور التعاون حتى مع الدول التي شهدت معها فترات توتر. وقد يكون هذا اللقاء محاولة لإعادة تشكيل صورتها الدولية، خصوصاً في سياق المنافسة الجيوسياسية المتصاعدة مع الغرب.
تحديات وفرص محتملة
مع ذلك، لا يمكن التقليل من حجم التحديات التي تواجه هذه المحاولة. فالخلافات العميقة التي تراكمت على مدى السنوات لا يمكن حلها بلقاء واحد، مهما كانت أهميته. الثقة المفقودة تحتاج إلى وقت وجهد كبيرين لإعادة بنائها، وقد تتطلب تنازلات من الطرفين. السؤال الأهم هو: هل كلا الطرفين مستعدان لتقديم ما يلزم لتجاوز العقبات الماضية والمضي قدمًا؟
إذا ما سارت الأمور في الاتجاه الصحيح، فإن تحسن العلاقات يمكن أن يفتح الباب أمام تعاون مثمر في مجالات حيوية مثل تغير المناخ والأمن الغذائي. كما يمكن أن تعود التجارة والاستثمار إلى مستوياتها السابقة، مما يعود بالنفع على اقتصاد كلا البلدين. إن القدرة على فصل القضايا الخلافية عن مجالات التعاون المشتركة ستكون مفتاح النجاح.
تُعد قمة APEC منصة مثالية لهذه اللقاءات رفيعة المستوى، حيث توفر بيئة محايدة ومحفزة للدبلوماسية الهادئة بعيدًا عن الضغوط الثنائية المباشرة. وجود قادة آخرين من المنطقة قد يساعد أيضًا في تهيئة الأجواء ويقدم فرصة للحوار غير الرسمي الذي قد يمهد الطريق لمناقشات أكثر جدية في المستقبل.
في رأيي الشخصي، بينما تُعد هذه الخطوة إيجابية وضرورية، يجب التعامل معها بحذر وتوقعات واقعية. إعادة ضبط العلاقات ليست عملية فورية، بل هي مسار طويل ومعقد يتطلب التزامًا مستمرًا. من غير المرجح أن نشهد عودة كاملة للعلاقات إلى ما كانت عليه قبل سنوات من التوتر في المدى القصير، لكنها بداية حاسمة نحو تخفيف حدة التوتر.
في الختام، تعكس محاولة كندا لترميم علاقاتها مع الصين الديناميكيات المعقدة للسياسة الدولية في القرن الحادي والعشرين. إنها دعوة للتوازن بين المصالح الوطنية، والحاجة إلى شراكات اقتصادية متنوعة، والتحدي الدائم المتمثل في إدارة الخلافات بأسلوب دبلوماسي. يبقى الأمل معقودًا على أن يجد قادة البلدين أرضية مشتركة لمستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا.
الكلمات المفتاحية: كندا، الصين، علاقات دولية، APEC، اقتصاد
