تترقب الأوساط الكندية، وخاصة شريحة الشباب والطلاب، ببالغ القلق إعلان الميزانية الفيدرالية المنتظر طرحها الأسبوع القادم. حالة من الترقب المشوبة بالتوتر تخيم على المشهد، خصوصاً بعد التحذيرات التي أطلقها محافظ بنك إنجلترا السابق، مارك كارني، من ضرورة تقديم “تضحيات” اقتصادية. هذه الكلمات لم تكن مجرد إشارة عابرة، بل كانت بمثابة ناقوس خطر هزّ ثقة الكثيرين في مستقبلهم المالي.
شباب كندا في مهب الريح الاقتصادية
بالنسبة للعديد من الطلاب والمواطنين الشباب في جميع أنحاء كندا، تتصدر القدرة على تحمل تكاليف المعيشة قائمة الأولويات والمخاوف عند الحديث عن الميزانية القادمة. فمع ارتفاع أسعار السكن، وتكاليف التعليم المتزايدة، والنفقات اليومية التي لا تتوقف عن الصعود، يجد جيل المستقبل نفسه محاصراً بين طموحاته والواقع الاقتصادي الصعب.
تتفاقم هذه المخاوف بسبب الظروف الاقتصادية الحالية، حيث يواجه الكنديون تضخماً عنيداً أسهم في تآكل القوة الشرائية، بالإضافة إلى أسعار الفائدة المرتفعة التي تزيد من أعباء الديون. هذه العوامل مجتمعة تجعل من تحقيق الاستقرار المالي أمراً بعيد المنال للعديد من الشباب الذين يكافحون لتأمين وظائف مناسبة أو حتى البدء في بناء مستقبلهم.
تحذير كارني: دعوة للتأمل أم نذير شؤم؟
إن تصريحات مارك كارني، الشخصية الاقتصادية البارزة، بأن البلاد قد تحتاج إلى “تضحيات” قد ألقت بظلالها على توقعات الميزانية. فمثل هذه التحذيرات لا تعكس مجرد تحليل اقتصادي، بل تحمل في طياتها دلالات سياسية واجتماعية عميقة تشير إلى احتمال تقليص الإنفاق الحكومي أو فرض إجراءات تقشفية قد تمس حياة المواطنين بشكل مباشر.
يتساءل الكثيرون، وخاصة الشباب، ما هي طبيعة هذه “التضحيات”؟ هل ستكون على حساب البرامج الاجتماعية، أو دعم التعليم، أو فرص التوظيف؟ هذه الأسئلة تثير قلقاً مشروعاً حول كيفية تأثير أي قرارات صعبة على الفئات الأكثر هشاشة، والذين هم في أمس الحاجة إلى الدعم لبناء حياتهم ومستقبلهم في كندا.
تحديات التعليم والمعيشة: صرخة الطلاب
تُعد قضية الطلاب محوراً رئيسياً في هذا النقاش. فبين أقساط الجامعات الباهظة، وتكاليف الكتب والمستلزمات، ونفقات الإيجار المتصاعدة في المدن الجامعية، يجد العديد من الطلاب أنفسهم في دوامة من الديون والتنازلات. كثيرون منهم يضطرون للعمل لساعات طويلة بالتوازي مع دراستهم، مما يؤثر سلباً على أدائهم الأكاديمي وصحتهم النفسية.
بعد التخرج، لا تنتهي التحديات. فالبحث عن وظيفة تتناسب مع التخصص وتوفر دخلاً كريماً يزداد صعوبة، مما يؤخر قدرة الشباب على الاستقلال المالي وشراء منزل أو حتى تكوين أسرة. هذا الوضع يخلق جيلاً يعاني من عدم اليقين بشأن مساره المهني والشخصي، في بلد يُفترض أنه يوفر فرصاً متكافئة للجميع.
تحليلي وتوقعاتي لميزانية محفوفة بالمخاطر
من وجهة نظري، تجد الحكومة الكندية نفسها في مفترق طرق حرج. فمن جهة، هناك ضغوط لضبط الإنفاق والسيطرة على الدين العام، ومن جهة أخرى، هناك حاجة ملحة لدعم النمو الاقتصادي وتخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين، وخاصة الشباب. يجب أن تركز الميزانية على حلول مستدامة تعزز القدرة الشرائية وتوفر فرصاً حقيقية للجميع، بدلاً من مجرد حلول مؤقتة قد تؤجل المشكلة.
أعتقد أن الميزانية يجب أن تتبنى رؤية طويلة الأمد تضمن الاستثمار في رأس المال البشري الكندي، لا سيما الشباب. ينبغي أن تتضمن مبادرات لخفض تكاليف التعليم، ودعم السكن الميسور، وخلق بيئة مواتية للابتكار وريادة الأعمال. هذه ليست مجرد نفقات، بل استثمارات حيوية في مستقبل الأمة، ولا يجب أن تكون هذه الاستثمارات ضمن “التضحيات” المحتملة.
في الختام، الميزانية الفيدرالية القادمة ليست مجرد مجموعة أرقام؛ إنها وثيقة تحدد مسار كندا ومستقبل أجيالها القادمة. الأمل يكمن في أن تكون هذه الميزانية قادرة على التوازن بين الضرورات الاقتصادية الملحة وتطلعات الشباب الكندي، وأن تقدم لهم خارطة طريق واضحة نحو مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً، بدلاً من إلقائهم في غياهب المجهول.
كلمات مفتاحية مترجمة
الميزانية الفيدرالية: Federal Budget
القدرة على تحمل التكاليف: Affordability
تضحيات: Sacrifices
الطلاب: Students
الشباب: Youth
