أثيرت في الأونة الأخيرة نقاشات حادة في كندا حول سياسات الهجرة، تتراوح بين الترحيب بالتنوع والتحذير من التحديات المصاحبة. وفي خضم هذا الجدل، يبرز صوت الكاتب المعروف في صحيفة تورنتو صن، غولدستين، ليؤكد على نقطة جوهرية: طرح الأسئلة حول سياسات الهجرة الكندية ومناقشتها ليس عملاً عنصريًا بطبيعته. هذا الطرح يأتي ليعالج مشكلة خطيرة تتمثل في إسكات الأصوات النقدية تحت ذريعة العنصرية، مما يقوّض جوهر النقاش الديمقراطي.
تعتبر الهجرة ركيزة أساسية في بناء المجتمع الكندي الحديث، وقد ساهمت بشكل كبير في التنوع الثقافي والنمو الاقتصادي للبلاد. ومع ذلك، فإن حجم وتعقيد هذه الظاهرة يتطلبان مراجعة مستمرة وتقييمًا دقيقًا لضمان استدامتها وفاعليتها على المدى الطويل، والتأكد من أنها تخدم مصالح جميع الأطراف.
تمييز النقد البنّاء عن التحيز
الفارق كبير بين من يطرح أسئلة مشروعة حول قدرة البنية التحتية على استيعاب الوافدين الجدد، أو تأثير الهجرة على سوق العمل والإسكان، وبين من يعبر عن كراهية أو تحيز عرقي. التساؤلات الأولى هي جزء طبيعي من السياسة العامة التي تهدف إلى تحسين الأداء وحماية مصالح جميع المواطنين، بينما الثانية هي تعبير عن ضيق أفق يتوجب مواجهته بحزم.
للأسف، أصبح التلويح بتهمة “العنصرية” سيفًا مسلطًا على رقاب كل من يجرؤ على إبداء رأي مخالف أو طرح تساؤلات منطقية حول جوانب الهجرة. هذا السلوك لا يخدم قضية مكافحة العنصرية الحقيقية، بل يضعف مصداقية هذه التهمة عندما تُستخدم بشكل مفرط وغير مبرر لإسكات المعارضين وإلغاء النقاش.
إن إغلاق باب النقاش حول قضايا بهذا الحجم والتعقيد يعني حرمان المجتمع من فرص ثمينة لتقييم سياساته، وتصحيح مسارها إذا لزم الأمر. فالدول المتقدمة تقوم على أسس الحوار المفتوح والشفافية، وحق المواطن في مساءلة حكومته حول القرارات التي تؤثر على حياته بشكل مباشر.
رأيي الشخصي: أهمية الشفافية والحوار
من وجهة نظري، فإن مقالة غولدستين تضع الإصبع على جرح حقيقي في السجال العام بكندا وخارجها. إن الخوف من وصمة “العنصرية” قد دفع الكثيرين إلى التزام الصمت، حتى عندما تكون لديهم مخاوف حقيقية ومبنية على أسس منطقية وموثوقة. هذا الصمت يخدم أجندات معينة تسعى إلى إمرار سياسات دون تمحيص نقدي، ويضر باللحمة الاجتماعية في النهاية.
يجب أن ندرك أن الهجرة، مثل أي سياسة حكومية أخرى، ليست مقدسة ولا معصومة من النقد والتدقيق. الهدف الأسمى لأي سياسة عامة هو خدمة مصالح الأمة بأسرها وتحقيق أقصى قدر من الرفاهية لمواطنيها. وإذا كان هناك قلق مشروع حول كيفية تأثير تدفق المهاجرين على الموارد، أو التعليم، أو الرعاية الصحية، فإن من واجب الحكومة الاستماع بجدية إلى هذه المخاوف وتقديم إجابات واضحة ومستندة إلى البيانات والأدلة.
على عاتق الحكومات أيضاً تقع مسؤولية تهيئة بيئة تسمح بالنقاشات الجادة والموضوعية حول هذه القضايا الحساسة. يجب أن تكون هناك منصات للحوار حيث يمكن للمواطنين التعبير عن آرائهم واهتماماتهم دون خوف من التجريم أو التشويه، وأن يتم التركيز على الحقائق والحلول بدلاً من العواطف والاتهامات المتبادلة.
إن بناء مجتمع مزدهر ومستدام يتطلب شجاعة في مواجهة الحقائق، حتى لو كانت صعبة، ومرونة في تكييف السياسات لتلبية الاحتياجات المتغيرة. بدلاً من إلقاء التهم جزافًا، يجب أن نفتح قنوات للحوار الهادئ والمثمر، حيث يتم تبادل الأفكار بحرية واحترام متبادل، بهدف تحقيق الأفضل للجميع.
في الختام، يظل مبدأ التساؤل والتحليل النقدي حجر الزاوية في أي مجتمع ديمقراطي صحي وقوي. إن كندا، بتاريخها الغني في استيعاب المهاجرين والتنوع، قادرة على إجراء هذا النقاش بأسلوب حضاري وبنّاء، بعيدًا عن الاستقطاب والتخويف. الهدف ليس إغلاق الأبواب أمام الهجرة، بل ضمان أن تكون سياسات الهجرة فعالة ومنصفة ومستدامة، وتخدم مستقبل جميع الكنديين، قدامى ومستجدين، على حد سواء.
columnists: كتّاب أعمدة