شهد قطاع تمويل مشاريع النفط والغاز تراجعاً حاداً ومفاجئاً من قبل أكبر ستة بنوك في وول ستريت، حيث انخفض الدعم المالي لصناعة الهيدروكربونات بنسبة الربع منذ بداية العام الجاري، وفقاً للتقديرات. هذا الانخفاض الكبير يثير تساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء هذا التحول في استراتيجية التمويل التي لطالما كانت ركيزة أساسية لاقتصادات عالمية.
ليست الرياح وحدها…
المثير في هذا التراجع ليس أنه يعكس بالضرورة تحولاً جذرياً وكاملاً نحو مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية. فعلى الرغم من الانخفاض، لا تزال هذه البنوك الكبرى قد قدمت تمويلاً ضخماً بلغ 73 مليار دولار لمشاريع النفط والغاز والفحم منذ بداية العام. هذا يوضح أن التمويل لم يتوقف كلياً، بل إن الانحدار بنسبة 25% مقارنة بالأشهر السبعة الأولى من العام الماضي يشير إلى عوامل أخرى تلعب دوراً محورياً، ربما تكون أكثر تعقيداً من مجرد تحول أخضر محض.
الأبعاد السياسية للاستثمار
في رأيي، يكمن جوهر هذا التراجع في الغيوم السياسية التي تخيم على توقعات السوق. إن عدم اليقين المتزايد بشأن السياسات الحكومية المستقبلية المتعلقة بالطاقة، والضغوط التنظيمية المتزايدة، فضلاً عن المخاوف الجيوسياسية، تجعل من الاستثمار طويل الأجل في الوقود الأحفوري مغامرة محفوفة بالمخاطر. البنوك بطبيعتها تبحث عن الاستقرار والقدرة على التنبؤ، ومع تزايد الحملات البيئية والتغيرات السريعة في الخطاب السياسي حول المناخ، يصبح التمويل للمشاريع التي تتطلب عقوداً لاسترداد استثماراتها أقل جاذبية، حتى لو لم يكن البديل الأخضر جاهزاً تماماً ليحل محلها.
هذا التوجه قد يحمل تداعيات كبيرة على صناعة النفط والغاز. فتقليص مصادر التمويل الرئيسية يعني تباطؤاً في وتيرة المشاريع الجديدة والتوسعات، مما قد يؤثر على الإنتاج العالمي وأسعار الطاقة على المدى الطويل. كما أنه يدفع الشركات العاملة في هذا القطاع للبحث عن مصادر تمويل بديلة أو إعادة هيكلة أعمالها لتصبح أكثر جاذبية للمستثمرين في بيئة تتغير فيها معايير المخاطر والفرص بشكل مستمر. إنها إشارة واضحة على أن رأس المال الكبير أصبح أكثر حذراً تجاه قطاع كان يُعتبر في السابق منجم ذهب مستقر.
في الختام، فإن هذا التراجع في تمويل وول ستريت لمشاريع الطاقة الهيدروكربونية ليس مجرد مؤشر اقتصادي بسيط، بل هو انعكاس لتداخل معقد بين العوامل المالية والسياسية والبيئية. إنه يؤكد أن مستقبل الطاقة لا يحدده فقط العرض والطلب أو التطور التكنولوجي، بل يتشكل أيضاً بفعل التوقعات السياسية والضغوط المجتمعية التي تعيد تعريف معايير الجدوى والمخاطرة في عالم الاستثمار الكبير. يبقى السؤال مفتوحاً حول ما إذا كان هذا الانخفاض مجرد تقلب مؤقت أم بداية تحول دائم في مشهد تمويل الطاقة العالمي.
صافي الانبعاثات الصفرية (net-zero), الانبعاثات (emissions), الغاز (gas), الطاقات المتجددة (renewables), الطاقة (energy), النفط (oil), التمويل (financing)