لطالما كان النفط شريان الحياة الاقتصادي لكولومبيا، يغذي خزائن الدولة ويدعم نموها. ولكن، بعد سنوات من الاضطرابات المتزايدة، التي تخللتها الاحتجاجات وارتفاع الضرائب وتفشي العنف، حان الوقت الذي كانت تتوقعه الأسواق بقلق: عمالقة صناعة النفط العالمية بدأت في الانسحاب من هذا البلد الذي يعصف به الصراع. هذا التحول الجذري لم يكن محض صدفة، بل هو نتيجة مباشرة لسلسلة من القرارات السياسية التي اتخذتها حكومة الرئيس اليساري غوستافو بيترو، الذي تولى منصبه في أغسطس 2022، وقد خلقت هذه السياسات مناخاً من عدم اليقين والمخاطر غير المسبوقة لقطاع الطاقة الحيوي.
سياسات متناقضة وتأثيرات وخيمة
مع وصول بيترو إلى سدة الحكم، وهو نفسه مقاتل سابق في حرب العصابات، شهدت كولومبيا تحولاً في الأجندة الوطنية نحو الحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري. وقد تضمنت هذه السياسات حظر التنقيب عن النفط والغاز الجديد، ورفع الضرائب على الشركات العاملة في القطاع، بالإضافة إلى التلكؤ في إصدار تراخيص الاستكشاف والتطوير. هذه الإجراءات، وإن كانت تستهدف – ظاهريًا – تحقيق أهداف بيئية واجتماعية، إلا أنها أثارت مخاوف عميقة بشأن مستقبل إنتاج البلاد من الطاقة. فبدلاً من الانتقال السلس إلى بدائل مستدامة، يبدو أن كولومبيا تدفع قطاعها الاقتصادي الأساسي نحو الشلل، مما ينذر بعواقب وخيمة على الاستقرار المالي للدولة وقدرتها على تلبية احتياجاتها من الطاقة.
العجز المالي والهاجس الاقتصادي
إن خروج شركات النفط الكبرى مثل “إكسون موبيل” و”شل” من مشاريعها، وتراجع شركات أخرى مثل “شيفرون” عن التزاماتها، لا يمثل مجرد خسارة في الاستثمارات الأجنبية، بل هو إشارة واضحة إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية. فمع انخفاض إنتاج النفط، وهو المصدر الرئيسي للدخل القومي والعملة الأجنبية، تواجه كولومبيا الآن تزايداً في العجز المالي وتدهوراً في ميزانها التجاري. وهذا بدوره يهدد بضعف العملة المحلية وتصاعد معدلات التضخم، مما يؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين. من وجهة نظري، يبدو أن الحكومة الكولومبية قد استعجلت في تنفيذ أجندة بيئية طموحة دون خطة واضحة ومدروسة لتعويض الخسائر الاقتصادية، مما وضع البلاد في مأزق حقيقي بين التطلعات الخضراء والواقع المعيشي الصعب.
الاضطرابات الأمنية وتأثيرها المضاعف
لا يقتصر التحدي على السياسات الاقتصادية وحدها، فمناطق النفط في كولومبيا تشهد تصاعدًا في أعمال العنف والاضطرابات الأمنية، مما يزيد من تعقيد المشهد ويجعل بيئة الاستثمار أكثر خطورة. فالاحتجاجات المتكررة وأعمال التخريب التي تستهدف البنية التحتية النفطية، بالإضافة إلى أنشطة الجماعات المسلحة، ترفع من تكاليف التشغيل وتعيق العمليات بشكل كبير. هذا التدهور الأمني، المقترن بالسياسات الحكومية التي تزيد من الغموض التشريعي والمالي، يخلق بيئة طاردة للاستثمار لا يمكن لشركات النفط العالمية تحملها على المدى الطويل، مما يدفعها للبحث عن فرص أكثر استقراراً وربحية في أماكن أخرى من العالم.
في الختام، يبدو أن كولومبيا تسير على مسار محفوف بالمخاطر، حيث يتهدد مستقبل صناعة النفط، التي تشكل العمود الفقري لاقتصادها، بالانهيار. إن التوازن بين حماية البيئة وتلبية الاحتياجات الاقتصادية للمواطنين هو تحدٍّ عالمي، لكن النهج الذي اتبعته حكومة بيترو قد يكون مكلفًا للغاية بالنسبة لكولومبيا، حيث تدفع البلاد ثمناً باهظاً قد يشمل أزمة طاقة داخلية وعجزاً مالياً متفاقماً. يبقى السؤال: هل يمكن لكولومبيا أن تجد طريقاً للتنمية المستدامة دون أن تضحي باستقرارها الاقتصادي على المدى القصير والطويل؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مصير الملايين من الكولومبيين.
شيفرون كولومبيا (chevron colombia)، صناعة النفط الكولومبية (colombia oil industry)، سياسات بترو (petro policies)، هجرة شركات النفط (oil company exodus)، حظر التكسير الهيدروليكي (fracking ban)، العجز المالي الكولومبي (colombian fiscal deficit)، أزمة الطاقة في كولومبيا (energy crisis colombia)، العنف في مناطق النفط (violence in oil regions)، شل الغاز الطبيعي (shell natural gas)، خروج إكسون موبيل (exxonmobil exit)