بينما تبدو معظم أشكال الاحتيال المالي واضحة المعالم، حيث يستخدم المحتال أساليب مبتكرة أو أرقامًا مبالغًا فيها لخداع ضحيته والاستيلاء على أمواله، يبرز “احتيال الرهن العقاري” كظاهرة مختلفة تمامًا. قد تكون سمعت عن مخططات بونزي أو عمليات الاحتيال الهاتفي، لكن حتى وقت قريب، لم يكن الكثيرون على دراية بالاحتيال المرتبط بالرهون العقارية. هذا النوع من الاحتيال نادر بشكل استثنائي، ففي عام 2021، لم يُحكم إلا على 58 شخصًا بتهمة احتيال الرهن العقاري في النظام الفيدرالي، مع انخفاض ملحوظ في الأرقام منذ عام 2017. هذا الغموض والندرة يثيران تساؤلات حول طبيعة هذه الجريمة، خاصة مع بروز اتهامات حديثة ضد شخصيات عامة رفيعة مثل حاكمة الاحتياطي الفيدرالي ليزا كوك، مما يدعونا للتعمق في فهم ما يميز هذا النوع من الاحتيال.
ماهية الاحتيال العقاري وأشكاله
في جوهره، يتضمن احتيال الرهن العقاري خداعًا متعمدًا للمقرض أو الضامن العقاري بهدف الحصول على قرض سكني بشروط أفضل. هناك عدة أشكال يمكن أن يتخذها هذا الاحتيال من جانب المقترض. على سبيل المثال، يمكن أن يحدث “احتيال الدخل” عندما يبالغ المشتري في تقدير دخله للمقرض. وهناك ما يُعرف بـ”المشتري الوهمي”، حيث يتصرف شخص كـ”واجهة” نيابة عن المقترض الحقيقي الذي لا يستطيع التأهل للقرض، ويتم عادةً تحويل ملكية العقار بعد إتمام البيع. “البيع غير القانوني المتسارع للعقار” هو شكل آخر، حيث يتم شراء عقار بأقل من قيمته السوقية ثم يُعاد بيعه بسرعة بسعر مبالغ فيه بشكل مصطنع، خاصة إذا تضمن تقييمًا مزورًا. لكن النوع الذي وُجهت اتهامات بشأنه إلى شخصيات مثل كوك، هو “احتيال الإشغال”، الذي يعني الكذب حول حالة إشغال العقار للحصول على شروط أكثر ملاءمة، نظرًا لأن المنازل التي يشغلها أصحابها كمسكن رئيسي تحصل على امتيازات أفضل من المنازل الثانوية أو العقارات المؤجرة.
عقبات الكشف: صرامة ضمان القروض
ليس من السهل إطلاقًا ارتكاب احتيال الرهن العقاري بنجاح، وهذا ما يؤكده كل من مر بتجربة ضمان القروض العقارية. تُخضع هذه العملية الدقيقة الائتمان والدخل والخلفية المالية للمقترض لفحص مكثف لتحديد أهليته للحصول على القرض. يدقق الضامنون في سجلات التوظيف لعامين سابقين، وسجلات الضرائب، وكشوف الرواتب، وتفاصيل جميع الحسابات المصرفية والاستثمارية، وحتى الدخل الإضافي مثل النفقة أو مكافآت العمل. هم يتمتعون بمثابرة لا تكل وسيتوقفون عن العملية لطلب معلومات إضافية حول أي فجوات غير مبررة في التوظيف أو أموال يعتبرونها “غير مؤكدة المصدر”. تهدف هذه الإجراءات الصارمة إلى حماية المقرض من المخاطر، وقد يُطلب من المقترض أيضًا تقديم “رسالة نية الإشغال” كدليل قانوني على أن العقار سيُستخدم كمسكن رئيسي، مما يوفر حماية إضافية ضد احتيال الإشغال.
لماذا يختلف احتيال الرهن العقاري؟
باستثناء حالات البيع غير القانوني المتسارع للعقار، تتضمن معظم أنواع الاحتيال العقاري خداع المقترض للمقرض للحصول على مئات الآلاف من الدولارات. لكن ما يميز هذا الاحتيال هو أن المقترض لا يختفي بالمال؛ بل يلتزم بسداد دفعات شهرية منتظمة للمقرض الذي يعرف حرفيًا مكان إقامته. هنا تكمن المفارقة: فبينما يخاطر البنك بخسارة المال إذا تخلف المقترض عن السداد، فإن المقترض يواجه مخاطر أكبر بكثير. فالتخلف عن السداد يدمر سجله الائتماني ويُلقي به في ضائقة مالية يصعب الخروج منها، بينما يمكن للمقرض غالبًا شطب الخسارة، خاصة وأن لديه العقار كضمان. هذا لا يعني أن احتيال الرهن العقاري جريمة بلا ضحية، لكن الفارق الجوهري يكمن في أن “المحتال” يخطط لسداد الأموال لـ”ضحيته” على مدار سنوات، وهو ما يجعله مختلفًا تمامًا عن السرقة المباشرة أو الاحتيال المعتاد.
خط رفيع: الاحتيال أم الخطأ؟
في سياق الاتهامات الموجهة لحاكمة الاحتياطي الفيدرالي ليزا كوك بخصوص رهونها العقارية على مسكنين رئيسيين، ادعت الأخيرة أنها لم تحاول خداع أحد وأن ما حدث قد يكون خطأ غير مقصود. بالفعل، ليس هناك تعريف موحد وثابت لمصطلح “المسكن الرئيسي” قد يختلف من ولاية لأخرى ومن مقرض لآخر، كما أن الأخطاء الكتابية واردة. إن صعوبة إثبات النية الاحتيالية، جنبًا إلى جنب مع فعالية عملية ضمان القروض، هي السبب الرئيسي وراء قلة الإدانات في قضايا احتيال الرهن العقاري. شخصيًا، أرى أن النظام الحالي، بصرامته في التدقيق، يعمل بشكل جيد في حماية المقرضين، ويجعل من الصعب للغاية ارتكاب الاحتيال الجسيم. ورغم أن من يشغلون مناصب عليا يجب أن يكونوا فوق الشبهات، إلا أن الفارق بين الخطأ والنية الاحتيالية يظل ضبابيًا. ما يدفعنا للتساؤل: هل التركيز على تفاصيل مثل هذه “المخالفات” يعالج مشكلة حقيقية في النظام أم أنه يسلط الضوء على تحديات إثبات النية في جريمة معقدة بطبيعتها؟ إن نظام الرهن العقاري، بتعقيداته وصرامته، يقدم حماية قوية، ويترك التحدي الأكبر في التمييز بين الغش المتعمد والخطأ البشري، خاصة عندما تكون المدفوعات تتم في مواعيدها.
كلمات مفتاحية: احتيال عقاري، رهن عقاري، قرض سكني، تدقيق مالي، جريمة مالية، الحياة العملية