كندا و”ضرائب التكنولوجيا”: هل استخفت برد فعل العملاق الأمريكي؟

💰 الاقتصاد

لطالما سعت الدول إلى تكييف أنظمتها الضريبية مع التطورات الاقتصادية الحديثة، وفي هذا السياق، برزت فكرة فرض ضريبة على الخدمات الرقمية كخطوة لضمان العدالة الضريبية في عالم تهيمن عليه الشركات التكنولوجية العملاقة. كندا، في محاولة منها لجمع حصتها العادلة من الأرباح التي تحققها هذه الشركات داخل حدودها، اقترحت ضريبة مماثلة. ومع ذلك، لم يكن رد الفعل الأمريكي، وخاصة من إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، سوى صدمة، حيث أدت هذه الضريبة إلى انسحاب ترامب من مفاوضات تجارية حيوية مع أوتاوا، مما ألقى بظلال من الشك حول مدى فهم كندا لحساسية هذه الخطوة.

رهانات الضرائب الرقمية والمصالح الأمريكية

إن الإدارة الأمريكية، تحت قيادة ترامب، كانت شديدة الحماية لمصالح شركاتها الكبرى، لا سيما عمالقة التكنولوجيا التي تعد رموزًا للقوة الاقتصادية الأمريكية. من هذا المنظور، يمكن النظر إلى الضريبة الكندية المقترحة كتهديد مباشر لأرباح هذه الشركات، وبالتالي لمكانة الولايات المتحدة الاقتصادية. لم يكن الأمر مجرد خلاف حول بضعة ملايين من الدولارات، بل كان يتعلق بمبدأ سيادي: هل يحق للدول الأخرى فرض ضرائب على شركات أمريكية تعمل عالميًا؟ رد فعل واشنطن العنيف، الذي تمثل في التهديد بعرقلة الاتفاقيات التجارية، لم يكن مفاجئًا لأولئك الذين يدركون مدى استعداد الولايات المتحدة لاستخدام نفوذها التجاري للدفاع عن مصالحها الاقتصادية.

توازن القوى: كندا بين الطموح والواقع الجيوسياسي

من وجهة نظري، فإن الخطوة الكندية، ورغم أنها تعكس توجهًا عالميًا نحو إعادة التفكير في كيفية فرض الضرائب على الاقتصاد الرقمي، إلا أنها ربما لم تقيّم بشكل كافٍ الحجم الهائل لرد الفعل الأمريكي المتوقع. لا يتعلق الأمر بالضرورة بـ “السذاجة” المطلقة، بل قد يكون تقديرًا خاطئًا لمدى استعداد واشنطن لاستخدام جميع أدوات الضغط المتاحة لها. في لعبة الشطرنج السياسية والاقتصادية الدولية، يجب على الدول الأصغر حجمًا أن توازن بعناية بين طموحاتها الداخلية لفرض العدالة الضريبية وواقع علاقات القوى الدولية، خصوصًا مع جارتها الأكبر والأقوى اقتصاديًا. كان الأمر بمثابة اختبار صعب لمعرفة مدى استقلالية كندا في سياستها الضريبية.

تداعيات تتجاوز حدود الخزينة

الخلاف حول ضريبة الخدمات الرقمية يتجاوز مجرد الإيرادات الحكومية؛ إنه يمس صميم العلاقات التجارية الثنائية وقد يشكل سابقة خطيرة لدول أخرى تفكر في اتخاذ خطوات مماثلة. إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة للانسحاب من المفاوضات التجارية بسبب ضريبة كهذه، فما هي الرسالة التي تبعثها إلى دول أوروبية أو آسيوية تدرس ذات الخطوة؟ هذا يثير مخاوف جدية حول استقرار التجارة العالمية واحتمالية الدخول في حروب تجارية أوسع، حيث تستخدم الدول الكبرى نفوذها الاقتصادي لفرض أجنداتها.

في الختام، تُظهر قضية الضريبة الرقمية الكندية وتفاعلها مع الإدارة الأمريكية التعقيدات المتزايدة للعلاقات الاقتصادية الدولية في العصر الرقمي. بينما تسعى الدول لضمان أن الشركات الرقمية تساهم بنصيبها العادل في الاقتصادات المحلية، يجب عليها أيضًا أن تضع في اعتبارها تداعيات قراراتها على العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع الشركاء الأقوياء. يتطلب الأمر رؤية استراتيجية بعيدة المدى، لا تقتصر على جمع الإيرادات فحسب، بل تمتد لتشمل الحفاظ على استقرار التحالفات التجارية وتجنب النزاعات غير الضرورية التي قد تكون مكلفة على المدى الطويل.

المصدر

أخبار: news، كندا: Canada
الكلمات المفتاحية: ضريبة الخدمات الرقمية، كندا، أمريكا، ترامب، التجارة الدولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *