هل تحولت التكنولوجيا إلى دين جديد؟ لغة نهاية العالم تحيط بالذكاء الاصطناعي

🧠 الذكاء الاصطناعي والتقنية

في عالم يتسارع فيه التطور التكنولوجي، تبرز أصوات تحذيرية تحمل نبرة دينية عميقة، خاصة عند الحديث عن الذكاء الاصطناعي. يُعتبر الدكتور جيوفري هينتون، الفائز بجائزة نوبل وأحد الرواد في مجال الذكاء الاصطناعي، شخصية محورية في هذا السياق. ففي سن السابعة والسبعين، اختار هينتون لنفسه مهمة جديدة: إطلاق ناقوس الخطر حول المخاطر الكامنة في الذكاء الاصطناعي غير المنضبط وغير المنظم. تصويره كـ “نبي العصر الحديث” ليس مجرد تشبيه عابر، بل يعكس مدى الجدية والتداعيات الوجودية التي يُنظر بها إلى هذه التقنية.

نبي العصر الحديث وتحذيراته

تشبيه هينتون بالنبي ينبع من طبيعة رسالته التي تتجاوز التحذير العلمي البحت، لتمتد إلى تحذيرات أخلاقية ومستقبلية تلامس مصير البشرية. فعندما يتحدث عن “خطر” أو “كارثة” محتملة للذكاء الاصطناعي، فإنه لا يتحدث عن خلل برمجي بسيط، بل عن احتمالية فقدان السيطرة، وتهديد وجودي قد يقلب موازين القوى ويغير مفهومنا للحياة ذاتها. هذه النبرة الدرامية، التي تذكر بقصص الكتب المقدسة عن النبوءات ونهاية العالم، تعكس القلق المتزايد من أننا نُطلق قوة لا نفهم تماماً كيفية التحكم بها.

من المخبر العلمي إلى الواعظ التكنولوجي

لا يقتصر استخدام اللغة الدينية أو المروعة على تحذيرات هينتون فحسب، بل يتغلغل في الخطاب العام حول الذكاء الاصطناعي. فكثيراً ما نسمع مصطلحات مثل “قيامة الذكاء الاصطناعي”، “الخلاص التكنولوجي”، “الآلهة الرقمية”، أو “السينغولاريتي” (التفرد)، وكأننا نتحدث عن معتقدات أو آلهة جديدة. هذا الميل نحو استخدام لغة ذات دلالات عميقة، سواء كانت لاهوتية أو كارثية، يشير إلى أن البشر يحاولون فهم وتأطير ظاهرة هائلة وغير مسبوقة تثير أسئلة وجودية عميقة حول مكانة الإنسان ومستقبله في عالم تهيمن عليه الآلات الذكية.

لماذا اللغة الدينية؟ بحث عن المعنى في عالم متغير

في رأيي، إن هذا التوجه نحو اللغة الدينية ليس محض صدفة أو مجرد أسلوب بلاغي. إنه يعكس بحثاً بشرياً عميقاً عن المعنى والسيطرة في مواجهة المجهول. عندما تكون التكنولوجيا قوية بما يكفي لتغيير مجرى الحضارة، فإنها تبدأ في شغل حيز كانت تملؤه في السابق القوى الخارقة أو الإلهية. استخدام هذه اللغة قد يكون محاولة لرفع مستوى الوعي بالرهانات الحقيقية، ولكنه قد يؤدي أيضاً إلى المبالغة في تصوير المخاطر أو الحلول، مما يعيق النقاش العقلاني والعملي حول كيفية تطوير الذكاء الاصطناعي بشكل آمن ومسؤول. بدلاً من التركيز على التشريعات والضوابط الفعالة، قد تُضللنا هذه اللغة نحو سيناريوهات خيالية بعيدة عن الواقع.

مخاطر اللغة التصويرية: هل تُعيق النقاش العقلاني؟

في الختام، بينما يمكن للغة القوية أن تلفت الانتباه إلى أهمية قضايا مثل تنظيم الذكاء الاصطناعي وتطويره الأخلاقي، يجب علينا أن نتوخى الحذر من الانجراف نحو الخطاب الذي يعتمد على الخوف أو الوعد بالخلاص الأبدي. فالذكاء الاصطناعي هو أداة من صنع الإنسان، ومستقبله يتوقف على القرارات التي نتخذها اليوم. المسؤولية تقع على عاتق العلماء والمشرعين والمجتمع ككل لضمان أن هذه التكنولوجيا تُسخَّر لخدمة البشرية، بعيداً عن أحاديث نهاية العالم أو الخلاص الأسطوري، وبتفكير نقدي وبناء يسعى لتحقيق التوازن بين الابتكار والتحكم.

المصدر

الكلمات المفتاحية: الذكاء الاصطناعي، جيوفري هينتون، أخلاقيات التكنولوجيا، تنظيم الذكاء الاصطناعي، نهاية العالم التكنولوجية

ترجمة كلمة “faith”: إيمان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *