تجد الصين نفسها في موقف دبلوماسي معقد وحساس للغاية بشأن الحرب المستمرة في أوكرانيا، فبينما تحافظ على علاقات وثيقة مع روسيا وتشاركها رؤية عالمية متعددة الأقطاب، تسعى بكين أيضاً للحفاظ على مصالحها الاقتصادية الحيوية مع الغرب. هذا التوازن الدقيق يضع الصين في منطقة رمادية، بعيدة عن الإدانة الصريحة لروسيا أو الدعم الكامل لأوكرانيا، مما يثير تساؤلات حول طبيعة دورها المستقبلي في هذا الصراع العالمي.
أسباب التردد الصيني
يعود هذا الموقف الغامض إلى عدة اعتبارات استراتيجية صينية. أولاً، ترى بكين في روسيا شريكاً مهماً في مواجهة الهيمنة الغربية، لا سيما النفوذ الأمريكي. ثانياً، تعتمد الصين بشكل كبير على أسواق الطاقة والسلع الروسية. ثالثاً، لا ترغب الصين في المخاطرة بفرض عقوبات اقتصادية قد تضر بعلاقاتها التجارية الواسعة مع أوروبا والولايات المتحدة. وأخيراً، تتمسك الصين بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهو مبدأ تستخدمه للدفاع عن سياساتها الخاصة، ولكن تطبيقه هنا يبدو انتقائياً في نظر البعض.
تداعيات الموقف المزدوج
لقد أدت هذه الازدواجية في الموقف الصيني إلى تقييد دور بكين كوسيط محتمل في الأزمة. فبينما تدعو الصين ظاهرياً إلى السلام والحوار، فإن فشلها في إدانة الغزو الروسي الصريح يُفقدها المصداقية لدى كييف وبعض الدول الغربية. هذا الموقف قد يقلل من فعاليتها كقوة بناءة في الدبلوماسية الدولية، ويجعلها محط شكوك بدلاً من أن تكون جسراً للتفاهم. كما أن هذا التوازن الهش يعرض الصين لانتقادات مستمرة من كلا الجانبين.
تحليلي: موازنة مصالح أم عرقلة حل؟
من وجهة نظري، فإن موقف الصين الحالي، رغم أنه يبدو براغماتياً لتحقيق أقصى قدر من المصالح الذاتية على المدى القصير، إلا أنه قد يساهم في إطالة أمد الصراع في أوكرانيا. فبدلاً من استخدام نفوذها الكبير على روسيا للدفع نحو حل سلمي حقيقي ومستدام، تفضل بكين البقاء على الحياد النشط الذي يصب في صالح الحفاظ على وضع قائم يخدم مصالحها الجيوسياسية الأوسع. هذا التكتيك قد يؤخر تحقيق الاستقرار العالمي الذي تدعي الصين أنها تسعى إليه، وربما يكلفها سمعتها على المدى الطويل كقوة عظمى مسؤولة.
في الختام، يظل موقف الصين من حرب أوكرانيا معقداً ومتعدد الأوجه، يعكس توازناً دقيقاً بين الأولويات الاستراتيجية والاقتصادية والأيديولوجية. وبينما تسعى بكين إلى حماية مصالحها الخاصة وتثبيت مكانتها كقوة عالمية، فإن طبيعة هذا الصراع ووحشيته قد تفرض عليها إعادة تقييم موقفها في المستقبل. يبقى السؤال الأهم هو إلى متى يمكن للصين أن تحافظ على هذا التوازن الهش قبل أن تضطر إلى اتخاذ موقف أكثر حزماً، وإلى أي مدى ستكون مستعدة للتضحية ببعض مصالحها من أجل الاستقرار العالمي.
الكلمات المفتاحية:
china: الصين
war & military strategy: استراتيجية الحرب والعسكرية
ukraine: أوكرانيا
security: الأمن
war in ukraine: الحرب في أوكرانيا
russia: روسيا
geopolitics: الجغرافيا السياسية
strategy & conflict: الاستراتيجية والصراع
diplomacy: الدبلوماسية