تُعد قوانين التشهير في بريطانيا قضية شائكة ومثيرة للجدل، لا سيما مع ارتفاع تكلفتها الباهظة التي تجعلها الأغلى في أوروبا. ما يزيد الطين بلة هو أن المدعى عليهم عادةً ما يتحملون العبء الأكبر من هذه التكاليف، بينما يواجه المدعون مخاطر مالية ضئيلة للغاية حتى في حال خسارتهم للقضية. هذا التفاوت يخلق ساحة لعب غير متكافئة، حيث يُصبح الوصول إلى العدالة رفاهية يقتصر على ذوي النفوذ المالي.
قمع حرية التعبير
هذا الواقع القانوني له تداعيات خطيرة على مبدأ حرية التعبير والصحافة المستقلة. فبينما يُفترض أن تكون قوانين التشهير أداة لحماية السمعة من الافتراءات، فإنها تتحول في هذا السياق إلى سيف مُسلط على رقاب الصحفيين والناشرين والمدونين، أو أي شخص يجرؤ على انتقاد الأقوياء. يُمكن للأثرياء استغلال هذه الثغرة المالية لإسكات الأصوات المعارضة، مما يُقوض الشفافية ويُعيق الكشف عن الفساد أو الممارسات الخاطئة.
العدالة… سلعة للأثرياء؟
تُثير هذه الديناميكية تساؤلات جدية حول مفهوم العدالة نفسه. فإذا كانت كفة الميزان تميل لصالح من يملك المال الوفير لتمويل دعاوى قضائية باهظة دون خوف من تبعات الخسارة، فإن المبدأ الأساسي للمساواة أمام القانون يُصبح مُهددًا. لا تعود القضية تدور حول حقيقة الاتهامات من عدمها، بل تتحول إلى سباق قدرة مالية، حيث يُجبر الطرف الأضعف على التراجع عن مواقفه خوفًا من الإفلاس، حتى لو كان على حق.
من وجهة نظري، يُعد هذا الوضع بمثابة وصمة عار على جبين أي نظام قانوني يدعي العدالة. فأن يُصبح القانون أداة لقمع حرية التعبير وحماية مصالح فئة محددة، لهو أمر يتنافى مع أبسط مبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد. إنه يُرسل رسالة واضحة بأن الوصول إلى الحقيقة والكشف عن المظالم يتوقف على حجم المحفظة، وليس على قوة الحجة أو الأدلة. هذا التحدي يتطلب إصلاحًا جذريًا وشجاعًا.
في الختام، إن الحاجة إلى إصلاح شامل لقوانين التشهير في بريطانيا باتت ضرورة مُلحة. يجب أن تهدف هذه الإصلاحات إلى إعادة التوازن للميزان القانوني، بحيث تُتاح الفرصة للجميع للدفاع عن أنفسهم دون الخوف من الإفلاس، وأن تخدم هذه القوانين الغرض الحقيقي منها: حماية الأفراد من التشهير الفعلي، لا أن تُصبح وسيلة للأثرياء لقمع النقد المشروع. فالحرية والعدالة لا يُمكن شراؤهما بالمال، ويجب أن يكون القانون حارسًا أمينًا لهما.
نوع المقال: رأي, المواضيع: قانوني, مستوى المحتوى: 3, المصدر: نيوزكويست
الكلمات المفتاحية: قوانين التشهير، بريطانيا، حرية التعبير، العدالة، الأثرياء.