لطالما كانت معركة حظر الكتب في المؤسسات التعليمية والمكتبات قضية ساخنة ومحور نقاشات حادة حول حرية الفكر والمعرفة. لكن ما يكشفه تقرير حديث يمثل تحولاً مثيراً للقلق في هذه المواجهة. فبينما يهلل البعض لتراجع ملحوظ في أعداد الكتب التي تواجه تحديات ومنعاً صريحاً في المدارس الأمريكية من العام الدراسي 2023-2024 إلى 2024-2025، يطفو على السطح خطر أشد خفاءً وتأثيراً: الرقابة الذاتية لدى أمناء المكتبات والمعلمين.
تحول في استراتيجيات التقييد
لقد شهدنا لسنوات تصاعداً في موجات حظر الكتب، مدفوعاً غالباً بضغوط مجموعات آباء وأولياء أمور أو أجندات سياسية معينة. كانت هذه المعارك ظاهرة للعيان، تثير الجدل وتستدعي الدفاع عن الحق في الوصول إلى مجموعة واسعة من الآراء والمحتويات. لكن الانخفاض المفاجئ في أرقام التحديات الرسمية لا يعني بالضرورة انتصاراً لحرية المعرفة، بل قد يشير إلى تطور أكثر دقة وربما أكثر خطورة في كيفية تقييد المحتوى التعليمي والثقافي داخل مؤسساتنا.
إن الرقابة الذاتية هي نتاج للبيئة المشحونة التي خلقتها سنوات من الصراع على الكتب. فالخوف من المواجهة، وتجنب الجدل، والرغبة في الحفاظ على الوظيفة أو السمعة، يدفع المعلمين وأمناء المكتبات إلى اتخاذ قرارات وقائية. يصبح الاختيار ليس بين كتاب مقبول وآخر ممنوع رسمياً، بل بين إضافة كتاب قد يثير مشكلة ما، وبين اختيار كتاب “آمن” لا يجرهم إلى دائرة الانتقادات، حتى لو كان ذلك على حساب التنوع أو العمق التعليمي.
الخطر الخفي للرقابة الذاتية
من وجهة نظري، فإن هذا التطور ليس بمثابة تراجع للخطر، بل هو تحول إلى شكل أكثر خبثاً وتآكلاً. فبينما تثير عمليات الحظر العلنية ردود فعل مجتمعية ومدافعة قوية عن حرية التعبير، تعمل الرقابة الذاتية بصمت، فتحد من وصول الطلاب إلى وجهات نظر مختلفة وقصص متنوعة دون الحاجة إلى قرارات رسمية أو ضجة إعلامية. إنها تقيد الأفق المعرفي بهدوء وتتسلل إلى صميم المناهج والمجموعات المكتبية، لتفرغها تدريجياً من التنوع النقدي الذي يغذي العقول وينمي التفكير المستقل.
في الختام، يجب ألا نخدع بالانخفاض الظاهري في أرقام حظر الكتب. فإذا كانت البيئة المدرسية والمكتبية تدفع العاملين فيها إلى فرض قيود غير معلنة على أنفسهم، فإننا نكون قد انتقلنا من معركة علنية على حرية الفكر إلى تقييد داخلي يهدد أسس التعليم والتنوير ذاتها. يتطلب هذا الوضع الجديد يقظة مستمرة ودعماً فعالاً للمهنيين التربويين لضمان أن تظل مدارسنا ومكتباتنا مساحات حرة للاكتشاف والتعلم، بعيداً عن أشباح الرقابة – سواء كانت مفروضة أو ذاتية.
رقابة الدولة: state watch
التعليم: education
منع الكتب: book bans
