في خضم النقاشات المستمرة حول مستقبل الطاقة في عالمنا، تبرز آراء متباينة حول الدوافع الحقيقية وراء التوجه المتزايد نحو مصادر الطاقة المتجددة. ففي رسالة حديثة نُشرت في “بريس آند داكوتان”، أشار إد فان جيربن إلى أن الحوافز الضريبية هي المحرك الأساسي وراء بناء مزارع الرياح. هذا التصريح يفتح الباب واسعاً أمام تساؤل جوهري: هل تُعد الحوافز مجرد دافع اقتصادي بحت، أم أن هناك رؤية أعمق لمستقبل الكوكب تدفع هذا التحول؟
لماذا الطاقة المتجددة هي المستقبل؟
إن النظرة التي ترى الطاقة المتجددة كضرورة حتمية لمستقبل البشرية تستند إلى حقائق بيئية لا يمكن تجاهلها. فمع تصاعد وتيرة التغيرات المناخية وتزايد القلق بشأن استدامة كوكبنا، أصبحت الحاجة إلى مصادر طاقة نظيفة ومتجددة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. فالاعتماد على الوقود الأحفوري يؤدي إلى انبعاثات ضارة تسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري وتدهور البيئة، مما يهدد صلاحية الأرض للعيش عليها للأجيال القادمة. هنا تبرز طاقات الشمس والرياح كملاذ آمن نحو بيئة أنظف ومستقبل أكثر استقراراً.
دور الحوافز: عامل تمكين لا دافع وحيد
لا شك أن الحوافز الضريبية والبرامج الحكومية تلعب دوراً مهماً في تسريع وتيرة التحول نحو الطاقة المتجددة. فهي تقلل من المخاطر الأولية المرتبطة بالاستثمار في تقنيات جديدة وتجعلها أكثر جاذبية للمطورين والمستثمرين. ومع ذلك، من الخطأ النظر إلى هذه الحوافز على أنها السبب الوحيد لوجود مزارع الرياح أو الألواح الشمسية. إنها أشبه بعامل تمكين يساعد على بناء البنية التحتية اللازمة لتحقيق رؤية أوسع وأكثر استدامة، وليست الهدف النهائي بحد ذاته. الاستثمار في الطاقة المتجددة يعكس إدراكاً متزايداً للمسؤولية البيئية والاقتصادية على المدى الطويل.
في رأيي، تتجاوز قضية الطاقة المتجددة مجرد الربحية الفورية أو الحوافز الحكومية. إنها تتعلق بتحقيق أمن الطاقة للدول، وتقليل الاعتماد على مصادر الوقود المتقلبة الأسعار، وخلق فرص عمل جديدة في قطاعات خضراء واعدة. كما أن التطور التكنولوجي المستمر في مجال الطاقة الشمسية والرياح يجعلها أكثر كفاءة وأقل تكلفة يوماً بعد يوم، مما يقلل الحاجة إلى الدعم بمرور الوقت. إن التحدي يكمن في تجاوز الأساطير القديمة حول الطاقة النووية أو الوقود الأحفوري، والاعتراف بأن الابتكار والاستدامة هما أساس أي استراتيجية طاقة ناجحة للمستقبل.
في الختام، بينما قد يرى البعض أن الحوافز هي القوة الدافعة الرئيسية وراء انتشار الطاقة المتجددة، فإن الحقيقة الأعمق تشير إلى أن هذه المصادر ليست مجرد خيار اقتصادي، بل هي ضرورة بيئية وجودية. إنها تمثل ركيزة أساسية لمستقبل قابل للعيش، ولن يتوقف التوجه نحوها ما دامت البشرية تسعى للحفاظ على كوكبها وضمان مستقبل مزدهر للأجيال القادمة. التحول الطاقوي ليس مجرد اتجاه عابر، بل هو التزام عالمي لا مفر منه.
رسائل