صورة واحدة تختزل الكثير من الحكايات والمعاناة، إنها لقطة لقطار ركاب متوقف على مسار غارق تمامًا تحت الماء في مومباي، الهند. ركابه، الذين أُجبروا على التوقف المفاجئ لرحلتهم، يترجلون من القطار بأسف، يفتحون مظلاتهم، ويشقون طريقهم عبر المياه الغزيرة، وعلامات الإحباط واضحة على وجوههم. هذا المشهد، الذي يتكرر كل عام، ليس مجرد توقف عابر لرحلة قطار، بل هو رمز للهشاشة التي تعاني منها مومباي خلال موسم الرياح الموسمية القوية.
واقع يتكرر كل موسم
لطالما كانت الرياح الموسمية جزءًا لا يتجزأ من جغرافية الهند وحياتها، ولكن في مدن مثل مومباي، يتحول هذا الموسم، الذي يُفترض أن يجلب الانتعاش، إلى مصدر لكوارث متكررة. فالبنية التحتية للمدينة، على الرغم من ضخامتها، غالبًا ما تفشل في مواكبة الكميات الهائلة من الأمطار التي تهطل في فترة قصيرة جدًا. الأنظمة الصرف الصحي القديمة، والتوسع العمراني غير المخطط له الذي يطغى على المسطحات المائية الطبيعية، يزيدان الطين بلة، ويجعلان الفيضانات أمراً حتمياً يؤثر على ملايين السكان.
ثمن باهظ يدفعه السكان
لا يقتصر تأثير هذه الفيضانات على تعطيل وسائل النقل فحسب، بل يمتد ليشل الحياة اليومية بأكملها. تتوقف الأعمال، وتُغلق المدارس، وتتأثر سبل العيش، مما يكبد المدينة خسائر اقتصادية فادحة. والأهم من ذلك، هو الثمن البشري: الإحباط، التوتر، والمخاطر الصحية التي تنجم عن الوقوف في المياه الملوثة لساعات طويلة. إنه تذكير مؤلم بأن النمو الاقتصادي وحده لا يكفي إذا لم يرافقه تطوير مستدام للبنية التحتية قادر على الصمود في وجه التحديات المناخية المتزايدة.
نحو مستقبل أكثر صمودًا
في رأيي، ما تشهده مومباي ليس مجرد مشكلة أمطار غزيرة، بل هو أزمة تخطيط عمراني وإدارة للموارد المائية. يجب أن تركز الجهود المستقبلية على تحديث شامل لأنظمة الصرف الصحي، وتنفيذ مشاريع لتجميع مياه الأمطار وإعادة استخدامها، بالإضافة إلى فرض قوانين بناء صارمة تمنع التعدي على المجاري المائية الطبيعية والمناطق المعرضة للفيضانات. كما أن الاستثمار في أنظمة إنذار مبكر فعالة وتثقيف السكان حول كيفية التعامل مع هذه الظروف بات أمرًا حتميًا لتقليل الخسائر البشرية والاقتصادية.
إن مشهد القطار العالق في مياه الفيضان بمومباي يمثل دعوة قوية للتأمل في العلاقة المعقدة بين الطبيعة، التوسع الحضري، والبنية التحتية. فبينما تستمر الرياح الموسمية في فرض إيقاعها السنوي، يظل التحدي الأكبر يكمن في قدرة المدن على التكيف والصمود. إن تحقيق هذا الصمود يتطلب رؤية طويلة المدى، استثمارات حقيقية، والتزامًا جماعيًا ببناء مدن لا تقتصر على النمو فحسب، بل تزدهر حتى في ظل أقسى الظروف الطبيعية.
الكلمات المفتاحية: البيئة، العالم
