في تطور يثير الكثير من الجدل والتساؤلات، تتجه بعض الدول الأوروبية ودول أخرى نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، في خطوة يراها البعض محاولة لـ “الإشارة الفاضلة” بينما يراها آخرون ضرورة ملحة. لكن ما أثار حفيظة الكثيرين هو تصريح منسوب لمسؤول في حركة حماس، وصف فيه هذا الاعتراف المنتظر بأنه “ثمرة” لمجزرة 7 أكتوبر.
هذا التصريح، الذي يعكس منهجاً إشكالياً، يربط بشكل مباشر بين عمل عنيف وشنيع مثل هجوم 7 أكتوبر وبين مكسب سياسي ودبلوماسي كبرى مثل الاعتراف بالدولة. إنها محاولة خطيرة لتأطير العنف المسلح كأداة فعالة لتحقيق الأهداف السياسية، مما يهدد بتقويض أي أسس حقيقية للسلام القائم على المفاوضات والحلول السلمية.
يضع هذا الربط الدول التي تنوي الاعتراف في موقف حرج؛ فهل يعني اعترافها أنها تكافئ العنف؟ أم أنها تتقدم بخطوة نحو حل الدولتين الذي طالما نادت به، بغض النظر عن سياق تصريح حماس؟ إنها معضلة أخلاقية وسياسية تتطلب استجابة حذرة ومدروسة للغاية لتجنب إرسال رسائل خاطئة.
دلالات التوقيت والتصريح
إن وصف الاعتراف بالدولة الفلسطينية بأنه “ثمرة” للمجزرة لا يقلل فقط من قيمة النضال السلمي والدبلوماسي للشعب الفلسطيني، بل يعطي أيضاً مبرراً لأولئك الذين يعارضون حل الدولتين بدعوى أن أي مكسب للفلسطينيين هو نتيجة للإرهاب. هذا الخطاب يغذي الانقسام ويصعّب مهمة بناء الثقة اللازمة لأي تقدم حقيقي نحو السلام.
تاريخ النزاع الفلسطيني الإسرائيلي مليء بالآلام والتضحيات من كلا الجانبين. وبينما يسعى المجتمع الدولي لدفع عملية السلام، فإن السجل المليء بالأعمال الإرهابية لبعض الفصائل الفلسطينية يُعد نقطة خلاف رئيسية. ربط الاعتراف بالدولة بتلك الأعمال يرسخ فكرة خاطئة مفادها أن العنف يؤتي ثماره، وهو ما يتناقض تماماً مع مبادئ القانون الدولي والسعي نحو عالم أكثر أمناً.
دوافع الاعتراف الدولي
بالنظر إلى دوافع الدول التي تفكر في الاعتراف، قد تتراوح بين الرغبة الحقيقية في تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني وإيمانها بحل الدولتين كسبيل وحيد للاستقرار، وبين محاولات للمناورة السياسية أو حتى “الإشارة الفاضلة” (virtue-signaling) التي تهدف إلى تحسين الصورة على الساحة الدولية دون التزام عميق بالنتائج.
في المقابل، يظهر رفض قادة مثل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للاعتراف بالدولة الفلسطينية، حيث يرون أن مثل هذه الخطوة قد تكافئ الإرهاب ولا تخدم المصالح الأمنية لإسرائيل. هذا التباين في المواقف يعكس عمق الخلافات الاستراتيجية حول مستقبل المنطقة.
إن المشهد المعقد للمفاوضات الدولية والسياسات الداخلية لكل طرف يجعل من قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية لغزاً تتشابك فيه الأبعاد الأمنية والسياسية والأخلاقية. يجب على صناع القرار الموازنة بين الحاجة الملحة لتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني وضرورة ضمان الأمن الإقليمي، مع عدم مكافأة السلوك العنيف.
من وجهة نظري، فإن تصريح مسؤول حماس خطير لأنه يحاول تطبيع فكرة أن العنف يمكن أن يحقق مكاسب سياسية مشروعة. هذا لا يخدم القضية الفلسطينية على المدى الطويل، بل يقوض جهود من يسعون بجد لتحقيق السلام عبر الوسائل الدبلوماسية والقانونية. الاعتراف بالدولة الفلسطينية يجب أن يكون خطوة نحو السلام القائم على العدالة والتعايش، وليس نتيجة لأعمال العنف.
في الختام، تبقى قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية محاطة بالتعقيدات والمخاطر. وبينما تتزايد الدعوات الدولية للحل السياسي، فإن مثل هذه التصريحات التي تربط المكاسب السياسية بالعنف لا تزيد الوضع إلا تعقيداً. الطريق إلى سلام دائم وعادل يكمن في نبذ العنف كلياً، وتعزيز الحوار البناء، والبحث عن حلول تضمن الأمن والكرامة لكافة الأطراف، بعيداً عن منطق “الثمار الدموية”.
مصطلحات رئيسية:
- الاعتراف بالدولة (State Recognition)
- مجزرة 7 أكتوبر (Oct. 7 Massacre)
- حل الدولتين (Two-State Solution)
- الإشارة الفاضلة (Virtue Signaling)
- الأمن الإقليمي (Regional Security)