مفارقة تورنتو: حينما تتشابك ألوان قوس قزح بشعارات متباينة

🇨🇦 أخبار كندا

في قلب مدينة تورنتو الكندية، التي تُعرف بتنوعها وانفتاحها، وقع حدثٌ أثار موجة من الاستغراب والتساؤلات، لا سيما مع انطلاق فعاليات “شهر الفخر” (برايد). فقد استضاف أقدم مكتبة للمثليين في المدينة فعالية تضمنت عروض “دراج كوينز”، لكن ما أثار الدهشة هو ما صاحب هذه العروض من ترويج مزعوم لحركة حماس، وهو ما وصفه البعض بـ”المرض العقلي الواضح للعيان”.

الخبر، الذي انتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي، تحديداً عبر تغريدة من حساب “إيال ياكوبي” بتاريخ 8 أغسطس 2025، أشار إلى أن المكتبة المعنية، وهي معقل للمجتمع LGBTQ+، قد سمحت بـ”إضفاء طابع رومانسي” على حماس خلال حدث يهدف ظاهرياً للاحتفال بالتنوع والانفتاح. هذا التلاقي غير المتوقع بين عالمين متباعدين أثار جدلاً واسعاً حول الحدود الفاصلة بين النشاط السياسي والتعبير عن الهوية.

التناقض الصارخ

يكمن جوهر المفارقة في التناقض الصارخ بين قيم مجتمع الميم (LGBTQ+) التي تقوم على التسامح والقبول وحقوق الإنسان، وبين ما يُعرف عن جماعات مثل حماس من مواقف تجاه هذه الحقوق. فكيف يمكن لمكان يمثل ملاذاً آمناً للأفراد الذين غالباً ما يواجهون التمييز والاضطهاد، أن يستضيف فعالية تحمل في طياتها ما يبدو أنه دعماً أو ترويجاً لكيان يُنظر إليه على أنه يقوض الحريات ويضطهد الأقليات، بما في ذلك أفراد مجتمع الميم؟

هذا الوضع يدفعنا إلى التساؤل: هل هو جهل بتاريخ هذه الحركات ومواقفها الحقيقية؟ أم هو محاولة لتوحيد قضايا تبدو متفرقة تحت مظلة مناهضة الاستعمار، دون إدراك للعواقب المحتملة أو للتناقضات الأيديولوجية الكامنة؟ يبدو أن الرغبة في التضامن مع قضية مضطهدة يمكن أن تؤدي أحياناً إلى تحالفات غريبة، تتجاهل الفروقات الجوهرية في القيم والمبادئ.

أصداء الجدل وتأثيره

من الطبيعي أن يثير مثل هذا الحدث ردود فعل غاضبة ومتباينة. فمن جهة، قد يراه البعض كخيانة للمبادئ الأساسية لمجتمع الميم وللنضال من أجل حقوق الإنسان الشاملة. ومن جهة أخرى، قد يحاول البعض تبريره كجزء من سياق أوسع للتضامن مع القضية الفلسطينية، متناسين أو متجاهلين الجوانب التي تتعارض مع قيمهم المعلنة.

إن هذا النوع من الأحداث يعكس تعقيد المشهد السياسي والاجتماعي المعاصر، حيث تتشابك الهويات والقضايا بطرق غير متوقعة. يصبح من الصعب في بعض الأحيان التمييز بين النضالات المختلفة، وتُخاطر بعض الحركات بالتحالف مع كيانات لا تشاركها جوهر قيمها، فقط من أجل هدف سياسي محدد أو تضامن سطحي.

إن خطورة هذا التلاقي تكمن في إمكانية طمس الخطوط الفاصلة بين من يدافعون عن حقوق الجميع ومن يمارسون التمييز. فعندما تُقدَّم جماعة ذات سجل في انتهاكات حقوق الإنسان على أنها جزء من حركة تحررية دون تمحيص نقدي، فإن ذلك يقوّض مصداقية حركة حقوق الإنسان ككل ويضعف قضية التسامح والقبول.

رؤية مستقبلية وتساؤلات

يجب على المنظمين والمؤسسات التي تستضيف فعاليات عامة أن تتحمل مسؤولية أكبر في فهم الخلفيات والأيديولوجيات لمن يروجون لهم أو يستضيفونهم. فالفضاءات التي تُفترض أنها آمنة وشاملة يجب أن تحافظ على مبادئها الأساسية وأن لا تصبح منصات لتبرير أو تجميل مواقف تتعارض جوهرياً مع القيم التي تدعو إليها.

برأيي، إن هذا الحدث ما هو إلا مثال صارخ على التيه الفكري الذي قد يصيب بعض جوانب النشاط الحقوقي عندما تتداخل القضايا وتتشتت الأولويات. يجب أن يكون التضامن مبنياً على مبادئ ثابتة من العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية للجميع، لا أن يكون تضامناً انتقائياً يتجاهل الانتهاكات تحت أي ذريعة سياسية. إن الدفاع عن حقوق الإنسان لا يتجزأ.

في الختام، يُعد حادث تورنتو هذا تذكيراً قوياً بأن طريق النشاط الحقوقي ليس خالياً من التحديات الأخلاقية والمعرفية. إنه يدعونا إلى التفكير النقدي في التحالفات، وإلى التمسك بمبادئ حقوق الإنسان الشاملة، وإلى فهم أن التنوع لا يعني بالضرورة قبول كل الأيديولوجيات، خاصة تلك التي تتعارض مع جوهر المساواة والحرية للجميع. الوعي والفهم هما مفتاح تجنب مثل هذه المفارقات التي لا تخدم سوى إثارة الجدل وتبديد الجهود.

المصدر

الكلمات المفتاحية: تورنتو، حماس، LGBTQ+، برايد، تناقض

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *