تلقيح السحب: علمٌ يُحارب الجفاف… أم مؤامرة تُجرّم؟

🌪 الكوارث والمناخ

في عالم يواجه تحديات متزايدة بسبب ندرة المياه وتغير المناخ، أصبحت الحاجة إلى حلول مبتكرة لإدارة الموارد المائية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. من بين هذه الحلول، يبرز “تلقيح السحب” (Cloud Seeding) كتقنية مثبتة وفعّالة، استخدمت لعقود للمساعدة في زيادة هطول الأمطار وتوفير مياه إضافية للمزارع والخزانات والأنظمة البيئية. ومع ذلك، تشهد الساحة السياسية حاليًا محاولات لتجريم هذه الأداة الحيوية، مستندة إلى نظريات مؤامرة لا أساس لها من الصحة، مما يهدد بتقويض جهود مكافحة الجفاف.

تعتمد تقنية تلقيح السحب على حقن مواد معينة، مثل يوديد الفضة، في السحب لتعزيز عملية تكثف بخار الماء وتشكيل قطرات المطر أو بلورات الثلج. هذه العملية لا “تخلق” المطر من العدم، بل تعمل على زيادة كفاءة السحب الموجودة في إنتاج الهطول. وقد أظهرت الدراسات والتجارب المتعددة حول العالم أن تلقيح السحب هو أداة آمنة وفعالة، قادرة على زيادة معدلات الهطول بنسب تتراوح بين 5% إلى 15% في ظروف معينة، مما يوفر دعمًا حيويًا للمجتمعات التي تعاني من شح المياه.

تاريخٌ من النجاح… ومستقبلٌ يُهدَّد بالجهل

على الرغم من تاريخها الطويل والموثق بالدراسات العلمية، تواجه تقنية تلقيح السحب حملة تشويه خطيرة. ففي تطور مقلق، تم تقديم مشروع قانون في الولايات المتحدة بهدف تجريم هذه الممارسة، بناءً على ادعاءات لا تدعمها أي أدلة علمية، وتندرج ضمن نظريات المؤامرة الشائعة حول “التحكم في الطقس”. إن مثل هذه المبادرات التشريعية، التي تتجاهل الإجماع العلمي وتتبنى الروايات غير العقلانية، لا تشكل تهديدًا لمستقبل إدارة المياه فحسب، بل تُقوّض أيضًا الثقة في العلم والخبراء، وتُعيق التقدم في مواجهة تحديات حقيقية.

دعوات التجريم: عندما تحل الخرافة محل العلم

في رأيي، من الضروري للغاية أن تظل السياسات مبنية على الحقائق العلمية والأدلة الموثوقة، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا حيوية مثل الأمن المائي. في ظل التغيرات المناخية المتسارعة وزيادة وتيرة الجفاف، نحن بحاجة ماسة إلى استكشاف وتطبيق كل أداة متاحة للتخفيف من آثار نقص المياه. إن تجريم تلقيح السحب بناءً على الخوف ونظريات المؤامرة هو خطوة إلى الوراء، ستزيد من معاناة المزارعين والمجتمعات التي تعتمد على هذه المياه التكميلية، وتُكبّدها خسائر اقتصادية وبيئية فادحة.

إن تلقيح السحب ليس تهديدًا، بل هو مورد ثمين وأداة مجرّبة يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في تأمين مستقبل المياه. يجب على صناع القرار أن يستمعوا إلى العلماء والخبراء، وأن يتجاهلوا الأصوات التي تسعى إلى نشر الخوف والمعلومات المضللة. إن حماية هذه التقنية وتعزيز البحث والتطوير فيها هو استثمار في مستقبل أكثر استدامة، يضمن توفر المياه الكافية للأجيال القادمة ويحمي بيئاتنا الطبيعية. إن مواجهة تحديات المناخ تتطلب الشجاعة للاعتماد على العلم، لا التراجع عنه.

المصدر

رأي: opinion
يوديد الفضة: silver iodide
تلقيح السحب: cloud seeding
النائبة مارجوري تايلور غرين: rep. marjorie taylor greene
الطاقة والبيئة: energy and environment
المزارعون: farmers

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *