نياندرتال فنانون: اكتشاف جديد يقلب مفاهيم الفن القديم

🇨🇦 أخبار كندا

لطالما ارتبط اسم إنسان نياندرتال بصورة الكائن البدائي، الذي يفتقر إلى التعقيد الفكري والقدرات الرمزية التي تميز الإنسان العاقل الحديث. لكن الاكتشافات الأثرية الحديثة تتحدى هذه الصورة النمطية باستمرار، كاشفة عن طبقات أعمق من السلوكيات المعقدة والذكاء لدى أقرب أقربائنا المنقرضين. والآن، جاء دليل جديد ليضيف بعدًا فنيًا مثيرًا لهذه الصورة المتطورة.

في تطور بحثي مهم، تم العثور على قطع أثرية من المغرة في منطقة القرم، وهي تحمل علامات واضحة تدل على استخدامها المتكرر في الرسم أو التلوين. هذه “أقلام التلوين” البدائية، التي تعود لإنسان نياندرتال، لا تقدم فقط دليلاً على استخدامهم للصبغات، بل تشير بقوة إلى أن هذا الاستخدام كان له أغراض رمزية وتعبيرية، مما يفتح باباً واسعاً لفهم جديد لقدراتهم المعرفية والفنية.

لطالما كانت المغرة، وهي صبغة طبيعية غنية بالحديد، مادة أساسية في المواقع الأثرية التي تعود لعصور ما قبل التاريخ. استخدامها من قبل الإنسان العاقل لتلوين الجسد، أو الرسم على الكهوف، أو حتى كجزء من الطقوس، معروف جيداً. لكن العثور على المغرة بحد ذاتها لا يكفي، فالدليل على طريقة استخدامها هو ما يجعل هذا الاكتشاف في القرم ذا أهمية بالغة، فهو يغير فهمنا لدور النياندرتال في المشهد الفني القديم.

نظرة جديدة إلى عقل إنسان نياندرتال

تضيف هذه النتائج طبقة أخرى من الأدلة التي تفند فكرة أن إنسان نياندرتال كان مجرد كائن قوي البنية يفتقر إلى البراعة الفكرية. فاستخدام الصبغات بهذه الطريقة لا يعكس فقط القدرة على التخطيط والتحضير، بل يشير أيضاً إلى وجود تفكير رمزي، وهو ما كان يُعتقد لفترة طويلة أنه حكر على جنسنا البشري، الإنسان العاقل.

إن القدرة على إنشاء الفن أو استخدام الرموز هي سمة أساسية للعقل البشري، وتمثل نقطة تحول حاسمة في التطور البشري. هذه “أقلام التلوين” القديمة تقترح أن إنسان نياندرتال ربما لم يكن مختلفًا عن أسلاف الإنسان العاقل الأوائل في سعيه للتعبير عن نفسه وعالمه المحيط، مما يقلل الفجوة المعرفية التي كنا نفترضها بين النوعين بشكل كبير.

الفن كشكل من أشكال التواصل

يبقى السؤال مفتوحاً حول الغرض الدقيق لهذه الرسوم أو التلوينات. هل كانت للتزيين الشخصي؟ هل كانت جزءاً من طقوس اجتماعية أو روحية؟ أم أنها شكل من أشكال التواصل البصري داخل مجموعاتهم؟ بغض النظر عن الهدف النهائي، فإن مجرد وجود هذه الأنشطة الفنية يلقي ضوءاً جديداً على الحياة الاجتماعية والثقافية المعقدة لإنسان نياندرتال.

من وجهة نظري، هذا الاكتشاف ليس مجرد إضافة أخرى لقائمة إنجازات النياندرتال، بل هو تحول جذري في فهمنا لتطور الفكر البشري بأسره. إنه يدعونا إلى إعادة تقييم تعريفنا للذكاء والفن، ويظهر أن مسارات التطور المعرفي كانت أكثر تنوعًا مما تصورنا. قد يكون إنسان نياندرتال قد استخدم الفن كوسيلة للتعبير عن هويته أو لترك بصمته في عالمه، تماماً كما نفعل نحن.

تفتح هذه “أقلام التلوين” القديمة آفاقاً جديدة للبحث الأثري. يجب أن يدفعنا هذا الاكتشاف إلى البحث عن المزيد من الأدلة على السلوك الرمزي والفني في مواقع النياندرتال الأخرى، وربما استخدام تقنيات تحليلية أكثر تطوراً للكشف عن التفاصيل الدقيقة لكيفية استخدام هذه الصبغات ولأي غرض.

ماذا بعد؟

في الختام، يمثل هذا الاكتشاف من القرم شهادة قوية على أن إنسان نياندرتال لم يكن مجرد كائن بدائي كما صورته الدراسات القديمة. إنه يؤكد أنهم كانوا كائنات قادرة على التفكير الرمزي، والتعبير الفني، وربما كان لديهم عالم داخلي غني ومعقد. إن إعادة كتابة تاريخ الفن البشري لتضمين إسهامات النياندرتال تعزز فهمنا لتنوع القدرات المعرفية عبر الأنواع البشرية القديمة، وتذكرنا بأهمية التحرر من المفاهيم المسبقة في دراسة ماضينا.

المصدر

الكلمات المفتاحية المترجمة:

Ochre – المغرة

Neanderthals – إنسان نياندرتال

Prehistoric art – فن ما قبل التاريخ

Symbolic thought – الفكر الرمزي

Archaeological discovery – اكتشاف أثري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *