المحكمة العليا الأمريكية: انقسام الرأي يلوح في الأفق بعد الأحكام الحاسمة

كشف استطلاع حديث أجرته وكالة أسوشيتد برس ومركز أبحاث الشؤون العامة (AP-NORC) عن تحولات ملحوظة في نظرة الأمريكيين للمحكمة العليا. يشير التقرير إلى أن موقف الجمهوريين والمستقلين قد تحسن تجاه المحكمة، في حين لا يزال الديمقراطيون يحتفظون بنظرة سلبية.

يأتي هذا التغير في أعقاب فترة صعبة شهدت فيها المحكمة تراجعاً حاداً في شعبيتها، خاصة بعد قرارها التاريخي الذي ألغى سابقة قضائية بارزة كانت قد ضمنت حقوقاً دستورية لعقود من الزمن. هذا القرار، الذي كان له صدى واسع في المجتمع الأمريكي، أثار جدلاً كبيراً وأثر سلباً على مكانة المحكمة.

نظرة عامة على الاستطلاع

يُظهر الاستطلاع أن الانخفاض الحاد في ثقة الجمهور بالمحكمة قد بدأ يتعدل ببطء، لكن هذه التعديلات لم تكن متوازنة عبر الأطياف السياسية. فبينما يرى الجمهوريون والمستقلون أن المحكمة قد استعادت بعضاً من شرعيتها أو أن قراراتها الأخيرة تتماشى مع رؤاهم، لا يزال الديمقراطيون ينظرون إليها بعين الريبة، معتقدين أنها أصبحت مسيسة بشكل مفرط.

هذا التباين الحزبي ليس مفاجئاً، فالقرارات الكبرى التي تتخذها المحكمة العليا غالباً ما تكون لها تداعيات سياسية واجتماعية عميقة، وتتفاعل معها الفئات المختلفة بناءً على قناعاتها ومصالحها. قرار إلغاء سابقة “رو” كان محورياً في هذا الانقسام، حيث احتفل به المحافظون وأدانه الليبراليون.

تباين المواقف: جمهوريون ومستقلون مقابل الديمقراطيين

يمكن تفسير تحسن موقف الجمهوريين والمستقلين تجاه المحكمة العليا بالتركيبة الحالية للمحكمة ذات الأغلبية المحافظة، والتي أصدرت قرارات تتماشى مع الأيديولوجية المحافظة. أما الديمقراطيون، فيرون أن هذه القرارات تبتعد بالمحكمة عن دورها الحيادي وتجعلها أداة لتحقيق أهداف سياسية معينة، مما يقوض ثقتهم فيها.

من وجهة نظري، يعكس هذا الاستقطاب مدى تغلغل السياسة في كل مفاصل الحياة الأمريكية، حتى المؤسسات التي يُفترض بها أن تكون فوق النزاعات الحزبية. فالمحكمة العليا، بصفتها حامية الدستور، تجد نفسها عالقة في خضم صراعات ثقافية وقانونية عميقة، مما يؤثر على صورتها في أذهان المواطنين.

أرى أن هذا الانقسام في الرأي العام يمثل تحدياً كبيراً للمحكمة. فلكي تحافظ أي مؤسسة قضائية على فعاليتها واحترامها، يجب أن تتمتع بثقة واسعة من جميع شرائح المجتمع. عندما تصبح هذه الثقة مشروطة بالانتماء الحزبي، فإن ذلك يهدد مبدأ سيادة القانون ونزاهة القضاء.

دلالات الانقسام

هذه النتائج تدق ناقوس الخطر بشأن تآكل الثقة في المؤسسات الديمقراطية. فإذا أصبح الجمهور يرى المحكمة العليا كجسم سياسي لا قضائي، فإن هذا قد يؤثر على تقبلهم للأحكام المستقبلية ويقلل من قدرة المحكمة على فرض قراراتها بشكل فعال ودون مقاومة.

في الختام، يُظهر استطلاع AP-NORC صورة معقدة للمحكمة العليا في أمريكا: مؤسسة حيوية ولكنها متأثرة بشدة بالتيارات السياسية السائدة. التحدي الأكبر يكمن في كيفية استعادة المحكمة لثقة جميع الأمريكيين، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية، لتعود بوصلة العدالة إلى مسارها الصحيح بعيداً عن تقلبات الرأي العام الحزبي.

المصدر

الكلمات المفتاحية المترجمة:
world: العالم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *