عقيدة الإبادة: كيف يقوض الغرب جهود منع الإبادة الجماعية وتواطؤه في غزة

في خضم الأحداث المتسارعة التي تشهدها منطقة غزة، يبرز كتاب الدكتور ستاينبوك الجديد “عقيدة الإبادة” (The Obliteration Doctrine) كعمل بحثي ذو أهمية قصوى. يتعمق هذا الكتاب في مسألة حساسة ومثيرة للجدل: صراع الغرب الطويل ضد منع الإبادة الجماعية، وتواطؤه المزعوم في المأساة الإنسانية الجارية في غزة. يتجاوز العمل مجرد السرد ليقدم تحليلاً معمقاً لكيفية تشكل هذه الديناميكية التاريخية والمعاصرة.

مفهوم “عقيدة الإبادة”

يتناول ستاينبوك من خلال كتابه مفهوم “عقيدة الإبادة”، والذي يوحي بوجود نهج منهجي – سواء كان مقصوداً أم نتيجة إهمال – يسهم في تقويض جهود منع الجرائم الفظيعة. لا يقتصر هذا المفهوم على الصراعات المسلحة فحسب، بل يمتد ليشمل السياسات والمواقف التي قد تؤدي إلى تدمير جماعات معينة، أو على الأقل، التغاضي عن تدميرها بشكل فعال، مما يطرح تساؤلات جدية حول المسؤولية الأخلاقية والقانونية.

على مدار التاريخ، شهدنا حالات متعددة حيث بدت القوى الغربية مترددة أو غير راغبة في التدخل بفاعلية لمنع الإبادات الجماعية، حتى عندما كانت الأدلة واضحة. من رواندا إلى البوسنة، وصولاً إلى الأزمات المعاصرة، تتكرر أنماط معينة من الاستجابة البطيئة أو غير الكافية، مما يثير تساؤلات حول وجود “صراع طويل” متأصل في سياسات هذه الدول تجاه هذه الجرائم.

غزة كنموذج صارخ

تُعد الأحداث في غزة اليوم مثالاً صارخاً للمعضلات التي يطرحها كتاب ستاينبوك. مع تفاقم الأوضاع الإنسانية والاتهامات المتزايدة بالإبادة الجماعية، يتجه الكثيرون بأصابع الاتهام نحو تواطؤ دول غربية من خلال الدعم السياسي، العسكري، أو الاقتصادي، والذي يرى البعض أنه يساهم في إدامة الصراع والمعاناة، بدلاً من السعي لمنعها.

إن مفهوم “التواطؤ” هنا لا يعني بالضرورة المشاركة المباشرة في أعمال العنف، بل يشمل أيضاً التقاعس عن الفعل، أو استخدام حق النقض في مجلس الأمن، أو الاستمرار في تقديم الدعم لحكومات أو كيانات متورطة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. هذا النوع من التواطؤ، سواء كان سلبياً أو إيجابياً، يقوض المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني ومسؤولية المجتمع الدولي في حماية المدنيين.

من وجهة نظري، يكمن التحدي الأكبر في التناقض الصارخ بين المبادئ التي يدعي الغرب الدفاع عنها – مثل حقوق الإنسان والديمقراطية – وبين الممارسات الفعلية في الساحة الدولية. غالباً ما تتدخل المصالح الجيوسياسية والاقتصادية لتطغى على الالتزامات الأخلاقية والقانونية بمنع الفظائع، مما يؤدي إلى تطبيق معايير مزدوجة واضحة تهز الثقة في النظام الدولي.

أبعاد التواطؤ الغربي

إن استمرار هذا النمط من “الصراع ضد المنع” والتواطؤ المزعوم لا يضر بالضحايا المباشرين فحسب، بل يقوض أيضاً مصداقية المؤسسات الدولية والقانون الدولي بأسره. عندما تُترك الجرائم الخطيرة دون محاسبة، أو عندما يُنظر إلى القوى العظمى على أنها متواطئة، فإن ذلك يرسل رسالة خطيرة بأن القانون يمكن أن يُطوى أو يُتجاهل وفقاً للمصالح الضيقة، مما يهدد استقرار العالم على المدى الطويل.

كتاب الدكتور ستاينبوك يأتي في وقت حرج، ليجبرنا على مواجهة حقائق مزعجة حول دور الغرب في الأزمات الإنسانية. إنه يدعونا إلى إعادة تقييم شاملة للسياسات الخارجية، ليس فقط من منظور المصالح الوطنية، بل من منظور الالتزامات الأخلاقية والقانونية تجاه الإنسانية جمعاء. إنه عمل يدعو إلى التفكير النقدي ويحث على المساءلة.

نداء للمساءلة

في الختام، يمثل كتاب “عقيدة الإبادة” دعوة قوية للمساءلة وصرخة ضد اللامبالاة. إن الإبادة الجماعية جريمة لا يمكن التسامح معها، والتقاعس عن منعها أو التواطؤ فيها بأي شكل من الأشكال هو وصمة عار على جبين الإنسانية. إن الوقت قد حان لكي يراجع الغرب سياساته، ويتخلى عن المعايير المزدوجة، ويضطلع بمسؤوليته الأخلاقية والقانونية الكاملة في ضمان عدم تكرار الفظائع، ليس فقط في غزة بل في أي مكان آخر من العالم.

المصدر

كلمات مفتاحية:

  • منع الإبادة الجماعية (Genocide Prevention)
  • تواطؤ (Complicity)
  • عقيدة الإبادة (Obliteration Doctrine)
  • غزة (Gaza)
  • السياسة الغربية (Western Policy)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *