تضخم الدرجات الجامعية: هل بات الحصول على “A” أسهل من أي وقت مضى؟

في عالم يتسارع فيه التطور وتشتد المنافسة، لطالما كانت الشهادة الجامعية بمثابة جواز سفر نحو مستقبل أفضل. لكن ماذا لو بدأ هذا الجواز يفقد بعضاً من بريقه؟ تقارير حديثة من نيوزيلندا تلقي الضوء على ظاهرة مثيرة للجدل: الارتفاع اللافت في نسبة الدرجات الممتازة، تحديداً تقدير “A” (ممتاز)، في الجامعات. فهل نحن أمام جيل أذكى وأكثر تفوقاً، أم أن معايير التقييم تتغير بوتيرة مقلقة؟

الواقع الرقمي: “A” في كل مكان؟

أفادت التقارير أن أكثر من ثلث جميع الدرجات الجامعية الممنوحة في نيوزيلندا هي من فئة “A”. والأمر يزداد إثارة في جامعة أوكلاند، حيث بلغت هذه النسبة رقماً قياسياً في عام 2020، لتتجاوز نصف إجمالي الدرجات. هذه الأرقام تثير تساؤلات جدية حول القيمة الحقيقية للتحصيل الأكاديمي، وتدفعنا للتفكير في الأبعاد المختلفة لهذه الظاهرة.

من جانب، قد يكون هذا الارتفاع مؤشراً إيجابياً يعكس تحسناً في جودة التعليم الجامعي، أو زيادة في جدية الطلاب واجتهادهم. ربما تكون المناهج قد تطورت لتصبح أكثر وضوحاً وفائدة، أو أن أدوات الدعم الأكاديمي المتاحة للطلاب قد تحسنت بشكل كبير، مما يمكنهم من تحقيق أداء أفضل.

بين الكفاءة والتساهل: أسباب محتملة للظاهرة

كما يمكن أن يعزى ذلك إلى تحولات في طرق التقييم نفسها. فمع التحول نحو التعلم المدمج والتقييم المستمر، قد يجد الطلاب فرصاً أكبر لإظهار فهمهم وتطوير مهاراتهم بعيداً عن ضغط الامتحانات النهائية التقليدية. كما أن التركيز على المشاريع الجماعية والأعمال البحثية قد يتيح لهم فرصاً أوسع للتفوق.

ومع ذلك، لا يمكن تجاهل احتمال “تضخم الدرجات” (Grade Inflation). هذا المصطلح يشير إلى ميل الجامعات لمنح درجات أعلى لنفس مستوى الأداء الأكاديمي بمرور الوقت. قد يكون الدافع وراء ذلك هو جذب المزيد من الطلاب، أو تحسين سمعة الجامعة في التصنيفات العالمية التي قد تأخذ في الاعتبار نسب النجاح والتميز.

إذا كان تضخم الدرجات هو السبب، فإن لهذا تداعيات خطيرة. فقد يؤدي إلى تقليل قيمة الشهادة الجامعية في سوق العمل، حيث يصبح تقدير “A” أقل تميزاً إذا كان غالبية الخريجين يحصلون عليه. كما يمكن أن يؤثر على حافز الطلاب، فإذا كانت الدرجات المرتفعة سهلة المنال، قد يقل دافعهم الحقيقي للتعمق في الدراسة والتميز الفردي.

الأبعاد الأوسع: تداعيات على النظام التعليمي وسوق العمل

برأيي الشخصي، من الصعب الجزم بوجود سبب واحد لهذه الظاهرة. من المحتمل أن يكون مزيجاً من عوامل عدة. فبينما لا شك أن هناك طلاباً مجتهدين يستحقون أعلى الدرجات، فإن الارتفاع الكبير والسريع في نسب “A” – خاصة في عام 2020 الذي شهد ظروفاً استثنائية بسبب الجائحة – يثير تساؤلات حول تساهل محتمل في التقييم أو تعديلات في المناهج تراعي هذه الظروف، والتي قد تكون أثرت على معايير الجودة بشكل غير مقصود. يجب على الجامعات أن تحافظ على معايير صارمة لضمان قيمة الشهادات.

من منظور أرباب العمل، يصبح الأمر أكثر تعقيداً. فإذا كان تقدير “A” هو القاعدة لا الاستثناء، فقد يبحث أصحاب العمل عن مؤشرات أخرى لتمييز المرشحين، مثل المهارات العملية، الخبرات اللامنهجية، أو التوصيات الشخصية. وهذا قد يضع عبئاً إضافياً على الطلاب لتجاوز مجرد الحصول على درجات عالية.

بالنسبة للطالب، يمكن أن يخلق هذا الوضع مفارقة. فمن جهة، قد يشعر بالرضا عن تحقيق درجات ممتازة، لكن من جهة أخرى، قد يجد صعوبة في التميز ضمن مجموعة كبيرة من الخريجين الذين يحملون نفس التقدير. السؤال الحقيقي يصبح: هل اكتسبت المعرفة والمهارات التي تؤهلك لسوق العمل حقاً، أم أن تقديرك مجرد انعكاس لنظام تقييم متساهل؟

في الختام، إن ظاهرة تضخم الدرجات الجامعية في نيوزيلندا، والتي تعكس توجهاً عالمياً محتملاً، تتطلب نقاشاً معمقاً. بينما يجب الاحتفاء بالتحصيل الأكاديمي الحقيقي وتشجيع الطلاب على التفوق، فمن الضروري أيضاً أن تحافظ المؤسسات التعليمية على مصداقية معايير التقييم لضمان أن الشهادات الجامعية تظل رمزاً حقيقياً للجودة والكفاءة. الهدف الأسمى للتعليم هو إعداد أفراد مؤهلين ومفكرين نقديين، وليس مجرد منحهم درجات عالية قد لا تعكس بالضرورة عمق معرفتهم أو مهاراتهم الفعلية.

المصدر

**كلمات مفتاحية بالعربية:**
تضخم الدرجات – Grade Inflation
علامات جامعية – University Grades
التعليم العالي – Higher Education
التحصيل الأكاديمي – Academic Achievement
معايير التقييم – Assessment Standards

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *