صفقات على أشلاء الأرض: كيف تستفيد شركات أمريكية من الاستيطان غير الشرعي في الضفة الغربية

في قلب الصراع الدائر في الشرق الأوسط، تبرز حقيقة مقلقة غالبًا ما تُحجب خلف العناوين الكبرى: تورط شركات عقارية أمريكية في صفقات أراضٍ داخل المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية بالضفة الغربية. هذه الظاهرة لا تمثل مجرد معاملة تجارية عادية، بل هي جزء لا يتجزأ من آلية أوسع تعمل على ترسيخ واقع الاحتلال وتغيير التركيبة الديموغرافية والجغرافية للمنطقة على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.

تُعد المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، بموجب القانون الدولي، غير شرعية وتشكل عائقًا رئيسيًا أمام تحقيق أي حل سلمي قائم على دولتين. ورغم هذا الإجماع الدولي، فإن النشاط الاستيطاني يتوسع باطراد، مدعومًا الآن برأس مال واستثمارات تأتي من خارج المنطقة، مما يضفي عليها غطاءً من “الشرعية الاقتصادية” الزائفة.

دوافع التجارة على حساب الحقوق

ما الذي يدفع شركات عقارية أمريكية للانخراط في مثل هذه المشاريع المثيرة للجدل؟ غالبًا ما يكون الدافع الأساسي هو الربح. فالمستوطنات توفر فرصًا استثمارية مغرية، حيث يتم بناء وحدات سكنية وتجارية بأسعار قد تكون أقل نسبيًا من داخل إسرائيل، أو تستهدف شريحة معينة من المشترين، بما في ذلك اليهود الأمريكيين الذين يرغبون في الانتقال إلى المنطقة أو الاستثمار فيها. هذه الصفقات تُحوّل الأراضي الفلسطينية المسلوبة إلى “سلعة” مربحة.

إن تورط هذه الشركات يثير تساؤلات أخلاقية عميقة حول مسؤوليتها الاجتماعية والسياسية. هل تتجاهل هذه الشركات الطبيعة غير القانونية لهذه الأراضي، أم أنها تعتبر نفسها مجرد وسطاء تجاريين بعيدين عن أية تبعات سياسية؟ بغض النظر عن النوايا، فإن أفعالهم تساهم بشكل مباشر في دعم وتمويل المشاريع التي تتنافى مع القانون الدولي وتقوض جهود السلام.

التبعات الإنسانية لهذه الأنشطة وخيمة على الفلسطينيين. فكل وحدة استيطانية جديدة أو مشروع عقاري إضافي يعني المزيد من التضييق على الأراضي الفلسطينية، ومصادرة المزيد من الموارد الطبيعية، وتفتيت النسيج الاجتماعي والجغرافي للقرى والبلدات الفلسطينية. إنه يعمق شعورهم بالحرمان والظلم، ويقضي على أي أمل في قيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافيًا وقابلة للحياة.

تداعيات دولية ومسؤولية أمريكية

إن انخراط الشركات الأمريكية في هذا النشاط يضع الولايات المتحدة نفسها، ولو بشكل غير مباشر، في موقف حرج أمام المجتمع الدولي. فالدعم المالي والاستثماري من شركاتها يسهم في تعزيز مشروع استيطاني تدينه الأمم المتحدة والعديد من الدول. هذا التناقض يقوّض مصداقية الدعوات الأمريكية لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.

من وجهة نظري، فإن ما يحدث ليس مجرد “اقتصاديات سوق”؛ إنه استغلال مُمنهج لوضع سياسي معقد بهدف تحقيق مكاسب مادية بحتة. إن تحويل الأراضي المتنازع عليها، أو بالأحرى الأراضي المحتلة، إلى فرص عقارية هو تبييض لعملية السرقة وتجريدها من بعدها السياسي والأخلاقي، وجعلها تبدو كصفقات تجارية مشروعة.

أرى أن الوقت قد حان لفرض رقابة دولية أكبر على هذه الشركات ومحاسبتها على مساهماتها في انتهاكات القانون الدولي. يجب على المستهلكين والناشطين في مجال حقوق الإنسان حول العالم الضغط على هذه الشركات، وعلى الحكومات أن تتخذ مواقف أكثر صرامة تجاه أي كيان يساهم في تغذية هذا الصراع بأي شكل من الأشكال.

هذا التغلغل الاقتصادي يجعل حل النزاع أكثر صعوبة وتعقيدًا. فمع كل بناء جديد وكل استثمار أمريكي، تزداد جذور الاحتلال عمقًا، ويصبح تفكيك المستوطنات وحل الدولتين أبعد منالًا. إنه يربط مصالح اقتصادية قوية بواقع سياسي يراد له أن يكون مؤقتًا، مما يجعله أكثر ديمومة.

في الختام، إن ما تفعله الشركات العقارية الأمريكية في الضفة الغربية هو أكثر من مجرد “صفقات عقارية”. إنها صفقات على مستقبل منطقة بأكملها، وتساهم في تقويض العدالة والسلام. يجب أن يتوقف هذا الاستنزاف غير الأخلاقي، وأن تُعطى الأولوية للحقوق والعدالة على حساب الأرباح السريعة التي تُبنى على أرض مسلوبة وآمال محطمة.

المصدر

كلمات مفتاحية: الاستيطان الإسرائيلي (Israeli Settlement), الضفة الغربية (West Bank), شركات عقارية أمريكية (US Real Estate Companies), فلسطين (Palestine), القانون الدولي (International Law)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *