كأس العالم ونظام التسعير الديناميكي: هل يفسد سحر اللعبة العالمية؟

كشفت الفيفا، الهيئة العالمية المنظمة لكرة القدم، مؤخرًا عن قرار مثير للجدل بشأن بيع تذاكر كأس العالم القادمة لعام 2026، والتي ستستضيفها المكسيك وكندا والولايات المتحدة الأمريكية. الخبر الصادم للكثيرين هو تبني نظام “التسعير الديناميكي”، وهو أسلوب كان مقتصرًا في السابق على حفلات نجوم الروك وقطاع الطيران. فماذا يعني هذا لمحبي اللعبة الأكثر شعبية في العالم، وهل سيغير جوهر التجربة الجماهيرية؟

يعني التسعير الديناميكي أن أسعار التذاكر لن تكون ثابتة، بل ستتذبذب بناءً على عوامل متعددة، أبرزها مستوى الطلب. فكلما زاد الاهتمام بمباراة معينة أو اقترب موعدها، ارتفع السعر بشكل محتمل، والعكس صحيح. من الواضح أن الهدف الأساسي للفيفا من وراء هذا القرار هو تعظيم الإيرادات وتحقيق أقصى ربح ممكن من الحدث الرياضي الأضخم عالميًا.

هذا المنهج، وإن كان منتشرًا في مجالات أخرى، يطرح تساؤلات جدية حول مدى ملاءمته لحدث بحجم كأس العالم الذي يعتبر احتفالًا عالميًا يجمع الأمم والثقافات. فالفيفا بذلك تقلد نماذج عمل تهدف في المقام الأول إلى الربح التجاري البحت، متجاهلة القيم الجوهرية للعبة كرة القدم وشعبيتها الواسعة.

تقليد نجوم الروك أم إفساد التجربة؟

بالنسبة للجماهير ذات القدرة الشرائية العالية، قد لا يمثل هذا النظام عائقًا كبيرًا. بل قد يمنحهم مرونة أكبر في شراء التذاكر في أي وقت، حتى اللحظات الأخيرة، طالما أنهم مستعدون لدفع السعر المتزايد. ولكن هذه الفئة لا تمثل جوهر القاعدة الجماهيرية لكرة القدم.

أما بالنسبة للملايين من المشجعين الشغوفين، والذين يدخرون المال لسنوات لتحقيق حلم حضور كأس العالم، فإن التسعير الديناميكي يشكل كابوسًا حقيقيًا. فالتذبذب المستمر للأسعار يجعل التخطيط المالي شبه مستحيل، وقد يجدون أنفسهم أمام أسعار خرافية تفوق قدرتهم بمجرد ارتفاع الطلب على مباريات منتخباتهم المفضلة، مما يحرمهم من فرصة تاريخية.

إن جوهر كأس العالم يكمن في كونه ملتقى عالميًا للجميع، بغض النظر عن خلفيتهم الاقتصادية. إنه احتفال بالوحدة والتنوع والشغف المشترك باللعبة. عندما يتحول بيع التذاكر إلى مزاد علني مستمر، فإن ذلك يهدد بتحويل الملاعب إلى أماكن حصرية للأثرياء فقط، ويفرغ البطولة من روحها الشعبية والجماهيرية التي طالما تميزت بها.

هل تضيع روح اللعبة في خضم الأرباح؟

على عكس الحفلات الموسيقية أو الرحلات الجوية التي يمكن تأجيلها أو استبدالها، فإن كأس العالم حدث فريد يتكرر كل أربع سنوات. إنه يمثل قمة الفخر الوطني والشغف الرياضي. لا يمكن مقارنة تجربة المشجع الذي سافر آلاف الأميال لدعم بلاده بتجربة حضور حفل موسيقي، فالأمر يتجاوز مجرد الترفيه ليشمل الانتماء والهوية.

من وجهة نظري، هذا القرار من الفيفا يمثل خطوة مؤسفة وربما خطيرة. إنه يعكس أولويتها للربح المادي على حساب المبادئ الأساسية التي جعلت كرة القدم اللعبة الأكثر شعبية. إنها مخاطرة بفقدان جزء كبير من القاعدة الجماهيرية الأصيلة التي تشكل نبض الملاعب وتضفي عليها الحيوية، لصالح جمهور ربما أقل شغفًا وأكثر قدرة على الدفع.

قد تؤدي هذه السياسة إلى نتائج عكسية، حيث قد نرى مقاعد فارغة في مباريات معينة إذا ارتفعت الأسعار بشكل مبالغ فيه، أو قد تتشوه الصورة الجماهيرية للمدرجات لتصبح أقل تنوعًا وأقل تمثيلًا لمختلف شرائح المجتمع. وهذا بدوره سينعكس سلبًا على الأجواء العامة للبطولة وقيمتها الترفيهية والتاريخية.

في الختام، بينما يُعد الاستقرار المالي أمرًا مهمًا لأي منظمة، فإن التوازن بين الربح والمسؤولية الاجتماعية أمر حيوي، خاصةً لمنظمة تدير حدثًا بحجم وتأثير كأس العالم. يجب على الفيفا أن تعيد النظر في هذا القرار الذي قد يترك بصمة سلبية لا تمحى على إرث اللعبة العالمية ويجردها من سحرها الفريد الذي تأسست عليه، ألا وهو قدرتها على توحيد العالم بأسره تحت راية الشغف بالساحرة المستديرة.

المصدر

كلمات مفتاحية:

تسعير ديناميكي (Dynamic Pricing)، كأس العالم (World Cup)، فيفا (FIFA)، تذاكر مباريات (Match Tickets)، كرة القدم العالمية (Global Football)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *